أنواع الفسق، والشرك، والكفر قال أبو عبد الله: قالوا: وكذلك الفسق فسقان فسق ينقل عن الملة، وفسق لا ينقل عن الملة فيسمى الكافر فاسقا، والفاسق من المسلمين فاسقا، ذكر الله إبليس، فقال: ففسق عن أمر ربه وكان ذلك الفسق منه كفرا وقال الله تعالى: وأما

أَنْوَاعُ الْفِسْقِ، وَالشِّرْكِ، وَالْكُفْرِ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: قَالُوا: وَكَذَلِكَ الْفِسْقُ فِسْقَانِ فِسْقٌ يَنْقُلُ عَنِ الْمِلَّةِ، وَفِسْقٌ لَا يَنْقُلُ عَنِ الْمِلَّةِ فَيُسَمَّى الْكَافِرُ فَاسِقًا، وَالْفَاسِقُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَاسِقًا، ذَكَرَ اللَّهُ إِبْلِيسَ، فَقَالَ: {فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ} [الكهف: 50] وَكَانَ ذَلِكَ الْفِسْقُ مِنْهُ كُفْرًا وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ} [السجدة: 20] يُرِيدُ الْكُفَّارَ دَلَّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ: {كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ} [السجدة: 20] وَسُمِّيَ الْقَاذِفُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَاسِقًا، وَلَمْ يُخْرِجْهُ مِنَ الْإِسْلَامِ، قَالَ اللَّهُ: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا، وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [النور: 4] وَقَالَ اللَّهُ: {فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ} [البقرة: 197] فَقَالَتِ الْعُلَمَاءُ فِي تَفْسِيرِ الْفُسُوقِ هَهُنَا: هِيَ الْمَعَاصِي قَالُوا: فَكَمَا كَانَ الظُّلْمُ ظُلْمَيْنِ، وَالْفُسُوقُ فِسْقَيْنِ، كَذَلِكَ -[527]- الْكُفْرُ كُفْرَانِ: أَحَدُهُمَا يَنْقُلُ عَنِ الْمِلَّةِ، وَالْآخَرُ لَا يَنْقُلُ عَنْهَا فَكَذَلِكَ الشِّرْكُ شِرْكَانِ شِرْكٌ فِي التَّوْحِيدِ يَنْقُلُ عَنِ الْمِلَّةِ، وَشِرْكٌ فِي الْعَمَلِ لَا يَنْقُلُ عَنِ الْمِلَّةِ وَهُوَ الرِّيَاءُ، قَالَ اللَّهُ جَلَّ وَعَزَّ: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} [الكهف: 110] يُرِيدُ بِذَلِكَ الْمُرَاءَاةَ بِالْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ، وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الطِّيَرَةُ شِرْكٌ» قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: فَهَذَانِ مَذْهَبَانِ هُمَا فِي الْجُمْلَةِ مَحْكِيَّانِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ فِي مُوَافِقِيهِ مِنْ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ

580 - حَكَى الشَّالِنْجِيُّ إِسْمَاعِيلُ بْنُ سَعِيدٍ أَنَّهُ سَأَلَ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ عَنِ الْمُصِرِّ، عَلَى الْكَبَائِرِ يَطْلُبُهَا بِجُهْدِهِ إِلَّا أَنَّهُ لَمْ يَتْرُكِ الصَّلَاةَ وَالزَّكَاةَ وَالصَّوْمَ هَلْ يَكُونُ مُصِرًّا مَنْ كَانَتْ هَذِهِ حَالُهُ؟ قَالَ: هُوَ مُصِرٌّ مِثْلَ قَوْلِهِ: «لَا يَزْنِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ» يَخْرُجُ مِنَ الْإِيمَانِ، وَيَقَعُ فِي الْإِسْلَامِ وَمِنْ نَحْوِ قَوْلِهِ: «لَا يَشْرَبُ الْخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَسْرِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ» ، وَمِنْ نَحْوِ قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} [المائدة: 44]

-[528]- فَقُلْتُ لَهُ: مَا هَذَا الْكُفْرُ؟ قَالَ: كُفْرٌ لَا يَنْقُلُ عَنِ الْمِلَّةِ مِثْلُ الْإِيمَانِ بَعْضُهُ دُونَ بَعْضٍ، فَكَذَلِكَ الْكُفْرُ حَتَّى يَجِيءَ مِنْ ذَلِكَ أَمْرٌ لَا يُخْتَلَفُ فِيهِ

581 - وَقَالَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ: «لَا يَزْنِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ» ، لَا يَكُونُ مُسْتِكْمِلَ الْإِيمَانِ يَكُونُ نَاقِصًا مِنْ إِيمَانِهِ

582 - قَالَ: وَسَأَلْتُ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ عَنِ الْإِسْلَامِ، وَالْإِيمَانِ، فَقَالَ: الْإِيمَانُ قَوْلٌ وَعَمَلٌ، وَالْإِسْلَامُ إِقْرَارٌ، قَالَ: وَبِهِ قَالَ أَبُو خَيْثَمَةَ

583 - وَقَالَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ: لَا يَكُونُ الْإِسْلَامُ إِلَّا بِإِيمَانٍ، وَلَا إِيمَانَ إِلَّا بِإِسْلَامٍ، وَإِذَا كَانَ عَلَى الْمُخَاطَبَةِ فَقَالَ: قَدْ قَبِلْتُ الْإِيمَانَ فَهُوَ دَاخِلٌ فِي الْإِسْلَامِ، وَإِذَا قَالَ: قَدْ قَبِلْتُ الْإِسْلَامَ فَهُوَ دَاخِلٌ فِي الْإِيمَانِ

584 - قَالَ: وَحَكَى الْمَيْمُونِيُّ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ أَنَّهُ سَأَلَ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ عَنْ رَأْيِهِ، فِي مُؤْمِنٍ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، فَقَالَ: أَقُولُ: مُؤْمِنٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، وَأَقُولُ: مُسْلِمٌ، وَلَا أَسْتَثْنِي

585 - وَقَالَ: قُلْتُ لِأَحْمَدَ: يُفَرَّقُ بَيْنَ الْإِسْلَامِ وَالْإِيمَانِ؟ فَقَالَ لِي: نَعَمْ، قُلْتُ لَهُ: بِأَيِّ شَيْءٍ تَحْتَجُّ؟ قَالَ لِي: قَالَ اللَّهُ: {قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا} [الحجرات: 14] وَذَكَرَ أَشْيَاءَ

-[529]-

586 - وَقَالَ الشَّالِنْجِيُّ: سَأَلْتُ أَحْمَدَ عَنْ مَنْ، قَالَ: أَنَا مُؤْمِنٌ، عِنْدَ نَفْسِي مِنْ طَرِيقِ الْأَحْكَامِ وَالْمَوَارِيثِ وَلَا أَعْلَمُ مَا أَنَا عِنْدَ اللَّهِ؟ فَقَالَ: لَيْسَ هَذَا بِمُرْجِئٍ

587 - وَقَالَ أَبُو أَيُّوبَ: الِاسْتِثْنَاءُ جَائِزٌ قَالَ: أَنَا مُؤْمِنٌ، وَلَمْ يَقُلْ عِنْدَ اللَّهِ وَلَمْ يَسْتَثْنِ فَذَلِكَ عِنْدِي جَائِزٌ وَلَيْسَ بِمُرْجِئٍ وَبِهِ قَالَ أَبُو خَيْثَمَةَ، وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ

588 - وَحَكَى غَيْرُ هَؤُلَاءِ أَنَّهُ سَأَلَ أَحْمَدَ عَنْ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ» فَقَالَ: مِنْ أَيِّ هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ أَوْ مِثْلِهِنَّ أَوْ فَوْقِهِنَّ فَهُوَ مُسْلِمٌ، وَلَا أُسَمِّيهِ مُؤْمِنًا، وَمَنْ أَتَى دُونَ ذَلِكَ يُرِيدُ دُونَ الْكَبَائِرِ سَمَّيْتُهُ مُؤْمِنًا نَاقِصَ الْإِيمَانِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015