1045 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الرُّومِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنَا النَّضْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ وَهُوَ ابْنُ عَمَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا صَالِحُ بْنُ أَبِي الْأَخْضَرِ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي خِلَافَةِ عَبْدِ الْمَلِكِ وَهُوَ خَبِيثُ النَّفْسِ فَقُلْتُ لَهُ: إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ يَكُونَ اللَّهُ أَخَّرَكَ أَنْ تَكُونَ شَهِيدًا عَلَى هَذِهِ الْأُمَّةِ، فَقَالَ: وَإِنِّي أَشْهَدُ الْآنَ أَنَّهُمْ قَدْ أَصْبَحُوا، أَوْ قَالَ: قَدْ أَمْسَوْا وَهُمْ مُخَالِفُونَ لِمَنْ كَانَ قَبْلَهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ يُصَلُّونَ وَفِي الصَّلَاةِ تَأْخِيرٌ " قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: وَمِنْ قَوْلِ أَصْحَابِ الرَّأْيِ أَنَّ آخِرَ وَقْتِ الْعَصْرِ اصْفِرَارُ الشَّمْسِ، وَيَكْرَهُونَ تَأْخِيرَهَا إِلَى اصْفِرَارِ الشَّمْسِ، وَيَقُولُونَ: إِذَا صَلَّاهَا بَعْدَ اصْفِرَارِ الشَّمْسِ قَبْلَ غُرُوبِهَا لَمْ يَفُتْهُ وَجَازَتْ صَلَاتُهُ، وَيُفَرِّقُونَ بَيْنَ عَصْرِ يَوْمِهِ وَعَصْرِ أَمْسِهِ، فَيَقُولُونَ: إِذَا نَسِيَ صَلَاتَهُ ثُمَّ ذَكَرَهَا بَعْدَ اصْفِرَارِ الشَّمْسِ قَبْلَ غُرُوبِهَا فَإِنَّهُ يُصَلِّيَهَا لِأَنَّهُ لَمْ يَفُتْهُ وَقْتُ الْعَصْرِ بَعْدُ، وَإِنْ نَسِيَ عَصْرَ أَمْسِهِ فَذَكَرَهَا -[963]- فِي الْغَدِ بَعْدَ اصْفِرَارِ الشَّمْسِ قَبْلَ غُرُوبِهَا لَمْ يُصَلِّهَا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ لِأَنَّهُ قَدْ فَاتَهُ وَقْتُهَا فَلَا يَقْضِيَهَا إِلَّا فِي وَقْتٍ تَحِلُّ الصَّلَاةُ فِيهِ، وَأَمَّا عَصْرُ يَوْمِهِ فَإِنَّهُمْ يَكْرَهُونَ تَأْخِيرَهَا إِلَى اصْفِرَارِ الشَّمْسِ فَيَلْزَمُونَ الْإِسَاءَةَ فِي تَأْخِيرِهَا وَيُجِيزُونَ صَلَاتَهُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَلَا يُفْسِدُونَهَا لِأَنَّهُ عِنْدَهُمْ فِي وَقْتِ الْعَصْرِ، وَمَا لَمْ تَغْرُبِ الشَّمْسُ فَيُقْرِعُونَ بَيْنَ أَوَّلِ الْوَقْتِ وَآخِرِهِ، وَكَذَلِكَ يَقُولُونَ وَقْتُ الْمَغْرِبِ مِنْ حِينِ تَغْرُبُ الشَّمْسُ إِلَى أَنْ يَغِيبَ الشَّفَقُ، وَيَكْرَهُونَ تَأْخِيرَهَا بَعْدَ غُرُوبِ الشَّفَقِ، وَيَقُولُونَ: وَقْتُ الْعِشَاءِ إِذَا غَابَ الشَّفَقُ إِلَى نِصْفِ اللَّيْلِ، وَيَكْرَهُونَ تَأْخِيرَهَا بَعْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ، وَيَقُولُونَ: إِنْ صَلَّاهَا بَعْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ جَازَ ذَلِكَ، وَلَا يَفُوتُهُ الْوَقْتُ عِنْدَهُمْ مَا لَمْ يَطْلُعِ الْفَجْرُ. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: فَهَذَا قَوْلُ مَنْ ذَهَبَ أَنَّ هَؤُلَاءِ الْأُمَرَاءِ الَّذِينَ وَصَفَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكُونُوا يُؤَخِّرُونَ الصَّلَاةَ حَتَّى يَخْرُجَ الْوَقْتُ كُلُّهُ، إِنَّمَا كَانُوا يُؤَخِّرُونَهَا عَنْ وَقْتِ الِاخْتِيَارِ وَهُوَ الْوَقْتُ الَّذِي كَانَ يُصَلَّى فِيهِ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ، وَيُصَلُّونَ فِي آخِرِ وَقْتِ الْعُذْرِ، وَذَلِكَ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ، فَلِذَلِكَ لَمْ يُثْبِتُوا عَلَيْهِمُ الْكُفْرَ -[964]-. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: وَفِيهِ قَوْلٌ آخَرُ، قَالَ بَعْضُهُمْ: لَوْ كَانَ هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةُ تَرَكُوا الصَّلَاةَ مُتَعَمِّدِينَ لِتَرْكِهَا إِلَى أَنْ خَرَجَ وَقْتُهَا لَكَانُوا قَدْ كَفَرُوا، وَلَيْسَ فِي الْأَحَادِيثِ الَّتِي احْتَجَجْتُمْ بِهَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُمْ لَمْ يَكْفُرُوا لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُخْبِرْ ذَلِكَ إِنَّمَا ادَّعَيْتُمْ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مَا لَيْسَ فِيهِ وَتَأَوَّلْتُمُوهُ عَلَى غَيْرِ تَأْوِيلِهِ. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: أَلَيْسَ قَالَ: «فَصَلُّوا مَعَهُمْ وَاجْعَلُوا صَلَاتَكُمْ مَعَهُمْ سُبْحَةً» فَيَأْمُرُ بِالصَّلَاةِ خَلْفَ كَافِرٍ؟ قِيلَ لَهُ: لَمْ يَقُلْ بِالصَّلَاةِ خَلْفَ كَافِرٍ بَلْ إِنَّمَا أَمَرَ بِالصَّلَاةِ خَلْفَ مُسْلِمٍ لِأَنَّهُمْ فِي حَالِ صَلَاتِهِمْ مُسْلِمُونَ لَا كُفَّارٌ، لَأَنَّ الرَّجُلَ إِذَا كَفَرَ بِتَرْكِ الصَّلَاةِ فَإِنَّمَا يُسْتَتَابُ مِنْ كُفْرِهِ بِأَنْ يُدْعَى إِلَى الصَّلَاةِ فَإِذَا رَجِعَ إِلَى الصَّلَاةِ فَصَلَّى كَانَ رَاجِعًا إِلَى الْإِسْلَامِ لِأَنَّ كُفْرَهُ كَانَ بِتَرْكِهَا فَإِسْلَامُهُ يَكُونُ بِإِقَامَتِهَا، وَكَذَلِكَ كُلُّ مَنْ كَانَ مَعْرُوفًا بِالْإِسْلَامِ وَالْإِيمَانِ بِمَا جَاءَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ تَعَالَى مِنَ الْفَرَائِضِ وَالْحَلَالِ وَالْحَرَامِ ثُمَّ كَفَرَ بِشَرِيعَةٍ مِنَ الشَّرَائِعِ أَوِ اسْتِحْلَالِ بَعْضِ مَا حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى فَإِنَّمَا يُسْتَتَابُ مِنَ الْكُفْرِ بِالشَّرِيعَةِ الَّتِي كَفَرَ بِهَا، فَإِذَا أَقَرَّ بِهَا عَادَ إِلَى الْإِسْلَامِ، وَلَا يُمْتَحَنُ بِغَيْرِ ذَلِكَ، وَلَا يُسْأَلُ عَنْ سِوَاهُ -[965]-. وَكَذَلِكَ إِنْ قَالَ: الْخَمْرُ حَلَالٌ أَوْ لَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَهُوَ مُقِرٌّ بِجَمِيعِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ تَعَالَى وَحَرَّمَ سِوَى الْخَمْرِ أَوِ الْخِنْزِيرِ فَإِنَّمَا يُسْتَتَابُ مِنَ الْبَابِ الَّذِي كَفَرَ مِنْهُ مِنْ إِحْلَالِهِ الْخَمْرَ وَالْخِنْزِيرَ فَقَطْ لِأَنَّهُ مُؤْمِنٌ بِمَا سِوَى ذَلِكَ. وَهَذَا بَابٌ قَدْ مَرَّ شَرْحُهُ فِيمَا مَضَى مِنَ الْكِتَابِ، وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا نَشَأَ فِي الْكُفْرِ فَأَتَى عَلَيْهِ ثَلَاثُونَ سَنَةً يُعْرَفُ بِذَلِكَ ثُمَّ جَاءَ إِلَى مَسْجِدٍ مِنْ مَسَاجِدِ الْمُسْلِمِينَ فَأَمَرَ رَجُلًا فَأَذَّنَ وَأَقَامَ ثُمَّ تَقَدَّمَ فَصَلَّى بِالنَّاسِ جَمَاعَةً طَوْعًا مِنْ غَيْرِ كُرْهٍ وَلَا تَقِيَّةٍ فَصَلُّوا بِصَلَاتِهِ جَازَتْ صَلَاتُهُمْ وَكَانَ ذَلِكَ مِنْ إِظْهَارٍ لِلْإِسْلَامِ فَإِنْ هُوَ رَجَعَ بَعْدَ ذَلِكَ إِلَى الْكُفْرِ اسْتُتِيبَ فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ فِي قَوْلِ جَمَاعَةٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ، فَالْأَمِيرُ الَّذِي قَدْ عُرِفَ بِالْإِسْلَامِ وَنَشَأَ عَلَيْهِ إِذَا حَضَرَ الْجُمُعَةَ فَأُذِّنَ لَهُ بِأَمْرِهِ ثُمَّ خَطَبَ النَّاسَ، وَافْتِتَاحُ الْخُطْبَةِ إِنَّمَا يَكُونُ بِالتَّوْحِيدِ وَالشَّهَادَةِ لِلرَّسُولِ بِالرِّسَالَةِ، ثُمَّ إِذَا هُوَ أَطَالَ الْخُطْبَةَ وَاشْتَغَلَ بِقِرَاءَةِ الْكُتُبِ حَتَّى غَابَتِ الشَّمْسُ وَلَمْ يُصَلِّ مُتَعَمِّدًا لِتَرْكِ الصَّلَاةِ قَاصِدًا لِذَلِكَ وَهُوَ ذَاكِرٌ لِلصَّلَاةِ فَقَدْ كَفَرَ فِي قَوْلِ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَكْفَرُوا بِتَرْكِ الصَّلَاةِ -[966]- عَلَى مَا حَكَيْنَا عَنْهُمْ، ثُمَّ إِذَا هُوَ بَعْدَ غَيْبُوبَةِ الشَّمْسِ أَمَرَ بِإِقَامَةِ الصَّلَاةِ ثُمَّ نَزَلَ فَصَلَّى بِالنَّاسِ الْجُمُعَةَ أَوِ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ أَوْلَى وَأَحَقُّ بِأَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنْهُ رُجُوعًا عَنِ الْكُفْرِ إِلَى الْإِسْلَامِ وَصَلَاةُ النَّاسِ خَلْفَهُ جَائِزَةٌ وَمَعَ مَا ذَكَرْنَاهُ فَإِنَّ تَعَمُّدِهِ لِتَرْكِ الصَّلَاةِ عَلَى مَا وَصَفْنَا لَا يَعْلَمُهُ مِنْهُ إِلَّا اللَّهُ تَعَالَى عَزَّ وَجَلَّ ثُمَّ هُوَ فِي نَفْسِهِ فَأَمَّا سَائِرُ النَّاسِ فَلَا يَعْلَمُونَهُ لِأَنَّ تَأْخِيرَهُ الصَّلَاةَ قَدْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ سَهْوًا مِنْهُ وَاشْتِغَالًا بِمَا هُوَ فِيهِ عَلَى التَّأْوِيلِ مِنْهُ فَإِنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ لَهُ مَا دَامَ فِي الْوَقْتِ فَيَخْرُجُ الْوَقْتُ وَهُوَ غَيْرُ قَاصِدٍ لِتَأْخِيرِهَا إِلَى ذَهَابِ الْوَقْتِ فَإِذَا كَانَ فِعْلًا مُحْتَمِلًا لِمَا ذَكَرْنَا فَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يُثْبِتَ عَلَيْهِ الْكُفْرَ بِالشَّكِّ