لإمام يحكم عليهم، كما هو حال العربان في البوادي البعيدين عن حكم السلطان، ففي نصب الإمام إثارة للفتنة، لأن الأهواء متخالفة فيميل كل حزب إلى واحد، وتقوم الحروب، وما كان هذا شأنه لا يجب، بل كان ينبغي أن لا يجوز، إلا أن احتمال الاتفاق على الواحد أو ترجحه من بعض الجهات منع الامتناع وأوجب الجواز (?).
وأجاب الإيجي عن هذا الدليل بقوله: «إن هذا وإن كان ممكناً عقلاً فممتنع عادةً، لما يرى من ثوران الفتن والاختلافات عند موت الولاة، ولذلك صادفنا العربان والبوادي كالذئاب الشاردة والأسود الضارية لا يبقي بعضهم على بعض ولا يحافظ في الغالب على سنة ولا فرض، فقد اختل أمرهم في دنياهم، وليس تشوفهم - أي تطلعهم - إلى العمل بموجب دينهم غالباً فيهم بحيث يغنيهم عن رياسة السلطان عليهم، ولذلك قيل ما يزع السلطان أي يكفه أكثر مما يزع القرآن» (?).
ومن أحسن ما يُقال لهم رداً عليهم إضافة - لما سبق - أنَّ رأيهم جاء بعد خلافة سيدنا علي - رضي الله عنه - أي بعد انعقاد الإجماع، ونقض الإجماع بعد انعقاده لا يجوز.
وقد كان الإمام علي - رضي الله عنه - يرى أنَّ أمر الأمَّة لا ينتظم إلا بوجود أمير مهما يكن هذا الأمير؛ فقد قال لما سمع قوماً يقولون لا حكم إلا لله: «نعم لا حكم إلا لله ولكن لا بد للناس من أمير بر أو فاجر، يعمل فيه المؤمن ويستمتع فيه الكافر ويبلغ الله فيها الأجل» (?)، ونُقِلَ نحوه عن أبي بكر - رضي الله عنه - (?).