ثم إن الداعية لا ينبغي أن يكون داعية لشخصه، بل يجب أن يكون داعية إلى الله، بمعنى أنه لا يهمه أن ينتصر أو أن يقبل قوله في حياته، أو بعد مماته، المهم أن ما يدعو إليه من الحق يكون مقبولاً لدى الناس، سواء في حياته أو بعد موته، صحيح أن الإنسان يُسر وينشط إذا قبل الحق الذي يدعو إليه في حياته، لكن إذا قُدِّر أن الله ـ سبحانه وتعالى ـ ابتلاه ليعلم صبره من عدم الصبر، ابتلاه بعدم القبول المباشر أو السريع، فليصبر وليحتسب، وما دام يعلم أنه على الحق، فليثبت عليه، وتكون العاقبة له، خلافًا لبعض الدعاة، الذين إذا سمعوا قولاً يؤذيهم، أو فُعِلَ فيهم فِعْلٌ يؤذيهم، نكصوا أو ترددوا أو شكّوا فيما هم عليه، وقد قال الله ـ تعالى ـ لنبيه محمد صلى الله عليه وسلّم: {فَإِن كُنتَ فِي شَكٍّ مِّمَّآ أَنزَلْنَآ إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكَ لَقَدْ جَآءَكَ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ} [يونس: 94] .
الإنسان الداعية إذا لم يجد قبولاً حاضرًا ربما ينكص على عقبيه، أو يتشكك ويتردد، هل هو على حق أو ليس على حق؟! ولكن الله ـ سبحانه وتعالى ـ قد بيَّن الحق، وجعل للحق منارًا معلومًا، فإذا علمت أنك على حق فاثبت، وإن سمعت ما تكره، أو رأيت ما تكره، فاصبر فإن العاقبة للمتقين..