الوطني القوي الذي حارب مع عرابي، وكان يضم كثيرًا من الوطنيين الأقوياء البواسل، وأعيد تكوينه على ضعف وهزال، وفي عدد لا يتجاوز ستة آلاف، على رأسهم "سردار" إنجليزي يعاونه طائفة من كبار الضباط الإنجليز، كذلك أغلقت مصانع الأسلحة كلها وبيعت آلاتها، كما أنهيت البحرية المصرية، وبيعت سفنها، وشبيه بما فعل مع الجيش لتصفيته، وإضعافه وجعله في قبضة المحتلين، فعل مع البوليس، بوضع رجل إنجليزي على رأسه، وتعيين وكيل إنجليزي لوزارة الداخلية.
ونتيجة للسياسة الإنجليزية نفسها أرهق الاقتصاد المصري بل خنق؛ وذلك بتعيين مستشار إنجليزي للمالية، وإجهاد الخزانة المصرية بتعويضات مجحفة تؤدي للأجانب عما أصابهم من خسائر وهمية، ثم كان من عوامل خنق الاقتصاد المصري، وإرهاق المصريين ماليًّا تحميل مصر تكاليف جيش الاحتلال والموظفين الإنجليز، ثم تحميلها كذلك تكاليف حرب المهدي في السودان1.
هذا فيما يتصل بالقوتين العسكرية والاقتصادية، اللتين تمثلان للبلاد ساعدها الذي تحتمي به، وقلبها الذي تعيش عليه. أما فيما يتعلق بالقوتين الثقافية والأخلاقية، فقد عمل الاحتلال على إضعافهما ما استطاع إلى ذلك سبيلًا، فقد عوقبت البعثات2، وأهملت المعاهدات العالية3، واقتصر الاهتمام.