هنا التصقوا بالولاة والحكم والرؤساء، مداحين ومجاملين، فكثر في شعرهم المدح الفاتر، وتسجيل المناسبات التافهة، التي تصل إلى التهنئة بمولود أو ختان غلام، ولم يحققوا تطويرًا يذكر في ميدان الشعر، وهكذا جاء شعرهم مترددًا بين جانبي التقليدية. اللذين شهدتهما الفترة السابقة، ممثلين في الشيخ الدرويش والشيخ العطار، أي أن هؤلاء التقليديين من شعراء فترة الوعي، لم يكونوا واقفين شعرهم على المحسنات، والألاعيب الساترة للتهافت، كما لم يكونوا صارفين له إلى محاكاة القديم الجيد، بل كان شعرهم مزيجًا من هذا وذاك على تفاوات في الدرجة بين شاعر وآخر، بل على تفاوات في الدرجة بين قصيدة وأخرى من قصائد الشاعر الواحد.
ومن هذه الطائفة من الشعراء التقليديين الخالصين، الشيخ علي أبو النصر1، والشيخ علي الليثي2. فالشيخ علي أبو النصر مثلًا. ينظم أبياتًا على شكل لغز حول حرف التعريف "أل"، فيقول في بعد تام عن الشعر وحقيقته:
إذا كنت في الآداب سيد من درى ... وفي محكم الألغاز أحسن من يدري
فما كلمة فيها كلام وإنها ... لفي غاية الإشكال يا غرة الدهر
هي الحرف من حرفين واسم بمدة ... كذا الفعل منها لا يغيب عن الفكر
وفي قلبها في الأصل بعض فوائد ... ولكنه لا زال في حيز الهجر
وغايتها بدء لها عند ذي النهى ... وجملتها تأتيك في النظم والنثر3
وهو كذلك يتحدث عن مجلس النواب وأعضائه، فلا يشغل نفسه إلا بالتاريخ لدورة من دورات انعقاده، وهو يغالي في إظهار مهارته في هذا التاريخ، فيجعل الشطرة الأولى من كل بيت ترمز بحروفها إلى التاريخ الإفرنجي، وهو سنة 1879، والشطرة الثانية من كل بيت ترمز إلى التاريخ