في تفنيد ما ترسم من خطة ونقض ما تتخذ من سياسة، وإضاعة ما تنال من ثقة1.
وفي المجال غير الرسمي -وهو أفسح المجالات- كانت الخطابة السياسية من أقوى وسائل الأحزاب في كسب الأنصار، وهزيمة الخصوم ومحاولة الوصول إلى الأهداف، فالحزب غير الحاكم، كان يعقد الاجتماعات السياسية، ويقيم المؤتمرات الشعبية، ليعرض أخطاء الحكومة، ويبسط أهدافه في السياسة، ويسرد وعوده إذا حكم، كل هذا على ألسنة الخطباء المحاولين لكسب الجماهير بالكلمة المنطوقة الآسرة2.
وفي كثير من الأحيان كان يحاول خطباء الحزب الحاكم -أو الأحزاب الحاكمة- أن يدافعوا عن سياسة الحكومة، وأن يبرروا مسلكها، ويسندوا وضعها، كما كانوا يحاولون تضخيم أخطاء خصومهم، وتشويه مسلك معارضيهم، كل هذا في مؤتمرات واجتماعات، تصل أحيانًا إلى حد الطواف بالبلاد والتوجه بالحديث إلى الجماهير، التي إن لم تحتشد حشدتها السلطات قسرًا!!
ومن هنا ازدهرت الخطابة السياسية، وأصبحت من أهم الأسس التي يقوم عليها الساسة، ويوزن بها رجال الحكم، حتى ليكون قسط كبير من نجاحهم والتفاف الجماهير حولهم راجعًا إلى قدرتهم الخطابية.
غير أنه يلاحظ أن هذا النوع من الخطابة كان يعتمد غالبًا على تجميل الصياغة وإحسان الأداء، وقوة التلاعب بعقول الجماهير، عن طريق التأثير الحسي والتحايل اللفظي، فكان الخطباء السياسيون -في الأعم الأغلب- أحد رجلين: الأول رجل حكم، يبسط خططًا لا ينفذ منها إلا أقل من القليل،