وأخرى قصيرة، ولكن ذلك يكون دائما محكوما بمبدأ التقابل والتماثل، فكل شطرة لها ما يقابلها ويماثلها، ويحقق معها تناسقا وانسجاما، بل ضبطا وإحكاما، برغم التنويع الكثير والاختلاف البعيد.. ولعل أوضح نماذج ذلك، قول الصيرفي في إحدى قصائده العاطفية:
ليتني البسمة تعلو شفتيك ... مثلما تعلو طيور فوق أيك
تتنزى وهي تشدو ... في السكون
تختفي حينا وتبدو ... في الغصون
فأرى من أين تأتي وتبين ... وأرى هل أنت حقا تبسمين
لي من قبلك أم لا تحفلين ... بسلامي وكلامي؟ ليتني1
وهذا اللون من الشعر المقطعي الذي ينوع الأوزان إلى جانب تنويع القوافي يسير في طريق الموشحات، التي اخترعها الأندلسيون منذ أواخر القرن الثالث الهجري "التاسع الميلادي"، والتي نقلت عنهم إلى المشرق2، وازدهرت حينا بين طائفة من الشعراء المجيدين، ولكنها ظلت -في جملتها- دون القصيدة، بل أهملت أخيرا كقالب موسيقي للشعر، إلى أن التفت إليها المهجريون، ثم شعراء هذا الاتجاه الابتداعي العاطفي، وأكسبوها جدة بما لهم من أسلوب جديد، وأغراض جديدة.
ومن أهم خصائص موسيقى الشعر لهذا الاتجاه كذلك، الاعتماد على البحور ذات الموسيقى الجياشة المتدفقة، دون رنين عال أو نبرة خطابية، فهم يميلون -من بين بحور الشعر- إلى الخفيف والرمل والهزج، وإلى المجزوءات التي تشيع الحركة والخفة، والهمس في نغم الشعر، وهم يقلدون من