كانت لنا عند السياج شجيرة ... ألف الغناء بظلها الزرزور
طفق الربيع يزورها مستخفيًا ... ويفيض منها في الحديقة نور
حتى إذا حل الصباح تنفست ... فيها الزهور وزقزق العصفور
وسرى إلى أرض الحديقة كلها ... نبأ الربيع وركبه المسحور
كانت لنا يا ليتها دامت لنا ... أو دام يهتف فوقها الزرزور
قد كنت أجلس صوبها في شرفتي ... أو كنت أجلس تحتها في ظلتي
أو كنت أرقب في الضحى زرزورها ... متهللًا يغشى نوافذ غرفتي
طورًا ينقر في الزجاج وتارة ... يسمو يزرزر في وكار سقيفتي
فإذا رآني طار في أغنية ... بيضاء واستوفى غصون شجيرتي
كانت لنا يا ليتها دامت لنا ... أو دام يهتف فوقها الزرزور1
وكثيرًا ما يكون هذا الهروب إلى مواطن الذكريات يصاب بخيبة الأمل، ويصطدم بالواقع المرير الذي يضاعف الحرة، ويزيد مما يحس به الشاعر من مرارة، يقول ناجي في دار أحبابه، مجسمًا فجيعته حين عاد إليها، وهي مهد أعذب ذكرياته، فوجدها قد تغيرت وحال فيها كل شيء:
هذه الكعبة كنا طائفيها ... والمصلين صباحًا ومساء
كم سجدنا وعبدنا الحسن فيها ... كيف بالله رجعنا غرباء
دار أحلامي وحبي لقيتنا ... في جمود مثلما تلقى الجديد
أنكرتنا وهي كانت إن رأتنا ... يضحك النور إلينا من بعيد
رفرف القلب بجنبي كالذبيح ... وأنا أهتف يا قلبي اتئد
فيجيب الدمع والماضي الجريح ... لم عندنا؟ ليت أنا لم نعد