ظهر فيها هذا الاتجاه ظلام الحياة الاجتماعية في مصر، بسبب فساد السياسة، وتأزم الاقتصاد، واضطهاد الحرية، مما كان نتيجة مباشرة لتعدد العدوان على الدستور، وتكرر إغلاق البرلمان، وتآمر قوى الشر على كل ما حققه الشعب من مكاسب بثورة سنة 1919، وكانت الملكية الباغية، والاستعمار الطاغي، والإقطاع المستغل، أهم أطراف هذا التآمر، الذي وصل إلى ذروته في عهد إسماعيل صدقي سنة 1930، على نحو ما اتضح في التمهيد لهذا الفصل1.. وإلى هذا العامل الثاني يرد ما كان من ضيق طائفة من الشباب الشاعر الحساس بالحياة، وتبرمه بالعيش، وشعوره بخيبة الأمل، فقد دفعته تلك الظروف الأخيرة إلى أن ينطوي ويهرب، ويبحث عن العزاء في الحب حينًا، وفي رحاب الطبيعة حينًا آخر، كما أغرته بأن يتشبث بالأحلام ويتعلق بالخيالات، ويهيم بالرؤى، ليلوذ بعالم أكثر شفافية، وأعظم رحابة وأفسح صدرًا، وهكذا هيأت ظروف الحياة الاجتماعية التربة في مصر لينمو بها هذا الاتجاه الذي فيه كثير من الخصائص الرومانسية2، وتآزرت تلك الظروف مع عوامل ثقافية وفنية أخرى، فكان هذا الاتجاه بجانبيه: الابتداعي المطلق، والعاطفي الجياش.
هذاوقد ألِف بعض الباحثين أن يحددوا تاريخ ظهور هذا الاتجاه بظهور مجلة "أبولو "سنة 1932، وتكوين جمعيتها في العام نفسه، باعتبار أن أهم شعراء هذا الاتجاه كانوا من بين جماعة "أبولو"، أو ممن ينشرون