في صراعه من أجل الفكرة الإسلامية والتراث العربي، وفي انتصاره بعد ذلك في ترويض المندفعين، وحملهم على كثير من الاعتدال.
وهكذا أصبح التيار الفكري الرئيسي هو التيار العربي المعتدل، المؤمن بالفكر الغربي، واتخاذه مثلًا أعلى مع الالتفات إلى مواطن الإشراق في الماضي العربي والإسلامي، ومحاولة الإفادة من تلك المواطن ما أمكن، ووراء هذا التيار يأتي تيار أقل قوة منه، وهو التيار المحافظ المؤمن بالفكر العربي الإسلامي، واتخاذه فلسفة ومذهبًا بل حمى يذاد عنه ويحارب من أجله، هذا مع التسليم ببعض جوانب الخير في الحضارة الغربية، ومحاولة الانتفاع بها ولكن بحذر.
ووراء هذين التيارين وجد تيار ثالث كان في تلك الفترة أضعف من التيارين السابقين، ولكنه كان ذا أثر في الحياة الفكرية لا يخفى. هذا التيار، هو التيار الغربي المتطرف، الذي كان يؤمن بالغرب وماديته إيمانًا مطلقًا، ولا يرى في الشرق، وروحانيته شيئًا يستحق أن يؤخذ به، وقد تحمس هذا الاتجاه المتطرف لكل الدعوات التي دعا إليها الاتجاه الغربي، وزاد عليها تطرفًا وصل أحيانًا إلى حد الهدم، ومن ذلك الدعوة إلى احلال اللغة العامية محل اللغة الفصحى. وكان يمثل هذا الاتجاه سلامة موسى1، وإذا جاز أن نطلق على الاتجاه الأول الاتجاه الحضاري، وعلى الثاني الاتجاه الروحي، أمكن أن نطلق على الاتجاه الثالث الاتجاه المادي، فقد كان التفكير المادي بخاصة أساس الاتجاه الأخير2.