وقد أسهمت تلك العوامل في نمو القوى الشعبية، التي أحسست كيانها وأدركت دورها، وفرضت وجودها على القوى المتصارعة التي اضطرت إلى أن تحس هذا الكيان، وتدرك هذا الدور.

غير أن هذه القوى الشعبية لم تستطع برغم ذلك أن تتصدر، وهذا لعدم إمكانياتها المادية، ولعدم اكتمال قوتها إلى الحد الذي يتيح لها تولي القيادة. فقد كانت السيطرة لا تزال في أيدي الإقطاعيين، الذين كانوا يلقبون بأصحاب المصالح الحقيقية1، والذين كانوا يتولون الزعامة اللاسياسية، ويضمون إلى جانبهم من يتولون الزعامة الفكرية2، الأمر الذي أعطاهم مزيدًا من القوة، بل مزيدًا من السيطرة؛ فجعل منهم أكثر الحكومات والبرلمانات، وأهم السلطات التي تتصدر طبقات الشعب.

ولقد كان من أسباب بقاء الإقطاعيين مسيطرين على النفوذ والتصدر، أن ثورة 19 لم تلتفت إلى التغير الاجتماعي في حياة المصريين، أو بتعبير أدق، لم يلتفت زعماء تلك الثورة إلى أن يجعلوا منها ثورة اجتماعية واقتصادية3، ولم يتجاوزوا بها هذا المجال السياسي الضيق، والذي انتهى ببعض المكاسب التي تنازع عليها هؤلاء الزعماء، فقد ظلت الزراعة هي عماد الاقتصاد المصري، وبقيت معظم الأراضي الزراعية التي هي عماد هذا الاقتصاد، في أيدي الإقطاعيين، وقد سبب هذا الوضع كثيرًا من الأضرار الاقتصادية، والاجتماعية زيادة على الأضرار السياسية، فبالإضافة إلى سيطرة طائفة قليلة من الطوائف، وتحكمها في مصائر البلاد، كان من أهم الأضرار استغلال الاستعمار لهذا الوضع لصالحه، وذلك بالضغط على السياسة المصرية، وتوجيهها إلى حيث يشاء، فقد تبع بقاء مصر بلدًا زراعيًا، الاهتمام بالقطن كمصدر أول لثروة البلاد،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015