ويقول أحد محرم معرضًا بفساد الخديو:
أضر الناس ذو تاج تولى ... فما نفع البلاد ولا أفادا
وكان على الرعية شر راعٍ ... وأشأم مالك في الدهر سادا
فلا هو يرتجى يومًا لنفع ... يعز به الرعية والبلادا1
ثم ينتقل في قصيدة أخرى من التعريض إلى الهجاء الصريح، راميًا الملوك بالكذب والبعد عن الشرف، فيقول:
كذب الملوك ومن يحاول عندهم ... شرفًا ويزعم أنهم شرفاء
الحق منتهك المحارم بينهم ... والعدل وهم والوفاء هباء
رفعوا العروش على الدماء وإنما ... تبقى السفينة ما أقام الماء2
وإذا كان بعض الشعراء قد استمروا على الاتصال بعباس، ومدحوه حتى بعد انقلابه على الوطنيين، ثم مدحوا من جاء بعده من حكام من أسرة محمد علي، فإن ذلك لا يطعن في شعر المحافظين جملة، ولا يغض من بسالته ونضاليته. وهؤلاء النفر من الشعراء الذين استمروا على صلة بالقصر، أو مدحوا حكامه، قد كانوا ممن خضعوا لظروف شخصية، وانحرفوا معها عن طريق التضحية والفداء، فشوقي -وهو زعيم هذا النفر من الشعراء- قد كان يرتبط بحكام القصر برباط الدم، كما كان مدينًا للقصر بتربيته وتعليمه في الخارج، وجاهه في الداخل3، وغير شوقي من هذا النفر من الشعراء قد كان منهم الطامح إلى منافسة شوقي، ونيل شيء من جاهة الذي ناله عن طريق القصر، كما كان منهم المتقي للأذى في الرزق أو المنصب أو البدن، ثم كان منهم الآمل أن يقدم هؤلاء الحكام للبلاد شيئًا من الخير باعتبارهم القابضين على السلطة في تلك السنين، وقد تكون كل هذه العوامل هي التي حملت شاعرًا كحافظ إبراهيم على أن يمدح عباسًا ومن جاء بعده، وليته ما فعل.