المشرق قالبًا للتعبير عن أحاسيس الشاعر وتجاربه، وعن قضايا وطنه وأهم أحداث عصره1، وعرفنا كذلك أن هذا الاتجاه لم يكن وقت ظهوره على يد البارودي هو الاتجاه الشعري الوحيد، بل لم يكن الاتجاه الفني الغالب، وإنما كانت الغلبة لذلك الاتجاه التقليدي الجامد، الذي كان يمثله شعراء عديدون، تقيدهم -عادة- بقايا أغلال العصر التركي والمملوكي، وتكبل شعرهم -غالبًا- ألوان من الألاعيب اللفظية والمحسنات المتكلفة، لتستر ضحالة الموضوعات، وفقر الأفكار، وبرودة المشاعر، وتهافت الأسلوب2.

ونضيف الآن، أن هذا الاتجاه المحافظ البياني، قد أخذ يقوى عوده رويدًا رويدًا، على يد الجيل الذي خلف البارودي، حتى استحصد في هذه الفترة التي نسوق عنها الحديث، بل حتى سيطر سيطرة توشك أن تكون تامة، ومن هنا اختفى -أو كاد- ذاك الاتجاه التقليدي الجامد، وأصبح الاتجاه الذي يملأ الحياة الأدبية هو هذا الاتجاه المحافظ البياني الحي، الذي راد طريقه البارودي في الفترة السابقة، وأصبح جيل الشعراء في هذه الفترة، يسيرون في نفس اتجاهه، ويترسمون خطاه؛ فإسماعيل صبري3، وأحمد شوقي4،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015