شرح الصدور بتحريم رفع القبور
تصنيف
الإمام محمد بن علي الشوكاني
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربِّ العالَمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين، وعلى آله المطَهَّرين وصحبه المكرمين.
وبعد:
فاعلم أنَّه إذا وقع الخلاف بين المسلمين في أنَّ هذا الشيء بدعة أو غير بدعة، أو مكروه أو غير مكروه، أو محرَّم أو غير محرَّم، أو غير ذلك، فقد اتفق المسلمون ـ سلفهم وخلفهم ـ من عصر الصحابة إلى عصرنا هذا ـ وهو القرن الثالث عشر منذ البعثة المحمدية ـ أنَّ الواجبَ عند الاختلاف في أيِّ أمر من أمور الدِّين بين الأئمَّة المجتهدين هو الرد إلى كتاب الله سبحانه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، الناطق (1) بذلك الكتاب العزيز [4: 59] {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} ، ومعنى الرد إلى الله سبحانه الرد إلى كتابه، ومعنى الرد إلى رسوله صلى الله عليه وسلم الرد إلى سنَّته بعد وفاته، وهذا مِمَّا لا خلاف فيه بين جميع المسلمين، فإذا قال مجتهدٌ من المجتهدين: هذا حلال، وقال الآخر: هذا حرام، فليس أحدهما أولَى بالحقِّ من الآخر، وإن كان أكثرَ منه علماً أو أكبرَ منه سنًّا أو أقدمَ منه عصراً؛ لأنَّ كلَّ واحد منهما فرد من أفراد عباد الله، ومتعبَّد بما في الشريعة المطهرة مِمَّا في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ومطلوب منه ما طلب الله من غيره من العباد، وكثرةُ علمه وبلوغه درجة الاجتهاد أو