والسنة والأثر، أنَّ سكوتَ العالِم أو العالم1 على وقوع مُنكر ليس دليلاً على جواز ذلك المنكر.
ولنضْرِبْ لك مثلاً مِن ذلك؛ وهي هذه المكُوسُ المسمَّاة بالمجابي، المعلوم مِن ضَرورة الدِّين تَحريمُها، قد مَلأَت الدِّيارَ والبقاع، وصارت أمراً مأنوساً، لا يلج إنكارُها إلى سَمع مِن الأسماع، وقد امتدَّت أيدي المكَّاسين في أشرف البقاع، في مكة أمِّ القرى، يَقبضون مِن القاصدين لأداء فَريضة الإسلام، ويلقون في البلد الحرام كلَّ فِعل حرام، وسُكَّانها مِن فُضلاء الأنام، والعلماءُ والحكَّامُ ساكتون على الإنكار، مُعرضون عن الإيراد والإصدار، أَفيَكون السكوتُ من العلماء، بل من العالم2 دليلاً على حِلِّ أخذها وإحرازها؟ هذا لا يقولُه مَن له أدنى إدراك.
بل أضرب لك مثلا آخر؛ هذا حَرَمُ الله الذي هو أفضلُ بقاع الدنيا بالاتفاق وإجماع العلماء، أحدَث فيه بعضُ ملوك الشراكسة الجهلة الضُّلال هذه المقامات الأربعة، التي فرَّقت عبادات العِباد، واشتملت على ما لا يُحصيه إلاَّ الله عز وجل من الفساد، وفرَّقت عبادات المسلمين، وصيَّرتهم كالمِلَلِ المختلفة في الدِّين، بدعةٌ قرَّت بها عينُ إبليس اللعين، وصيَّرت المسلمين ضحكةَ الشياطين، وقد سكتَ الناسُ عليها، ووفَد علماء الآفاق والأبدال والأقطاب إليها3، وشاهدها كلُّ ذي عينين، وسَمع بها كلُّ ذي أذنين.