وروى الحاكم وغيره: «زينوا القرآن بأصواتكم، فإن الصوت الحسن يزيد القرآن حسنًا» . وروى عبد الرزاق وغيره: «لكل شيء حَلية، وحلية القرآن الصوت الحسن» . قالوا: فإن لم يكن حسن الصوت؟ قال: ... «يحسَّنه ما استطاع» .
[1008] وعن ابن مسعودٍ - رضي الله عنه - قال: قَالَ لِي النَّبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «اقْرَأْ عَلَيَّ القُرْآنَ» ، فقلتُ: يَا رسولَ الله، أَقْرَأُ عَلَيْكَ، وَعَلَيْكَ أُنْزِلَ؟! قَالَ: «إنِّي أُحِبُّ أنْ أسْمَعَهُ مِنْ غَيْرِي» فَقَرَأْتُ عَلَيْهِ سُورَةَ النِّسَاءِ، حَتَّى جِئْتُ إِلَى هذِهِ الآية: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاَءِ شَهِيداً} . قَالَ: «حَسْبُكَ الآنَ» فَالْتَفَتُّ إِلَيْهِ، فَإذَا عَيْنَاهُ تَذْرِفَانِ. متفقٌ عَلَيْهِ.
قال النووي: البكاء عند قراءة القرآن صفة العارفين، وشعار الصالحين.
قال الله تعالى: {وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً} [الإسراء (109) ] ، {إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَن خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيّاً} [مريم (58) ] .
وفي الحديث: استماع قراءة القرآن والإصغاء إليه، والتدبر فيها واستحباب طلب القراءة من الغير ليستمع له، وهو أبلغ في التفهُّم والتدبَّر من قراءته بنفسه.
وفيه: التواضع لأهل العلم والفضل، ورفع منزلتهم.
قال ابن بطال: إنما بكى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عند تلاوة هذه الآية، لأنه مثَّل لنفسه أهوال يوم القيامة، وشدة الحال الداعية له إلى شهادته لأمته بالتصديق، وسؤاله الشفاعة لأهل الموقف، وهو أمر يحق له طول البكاء.