أما وجوب السعي بينهما فمأخوذٌ من أحاديث وفعل الرسول عليه السلام. واستعانة عائشة بسبب نزول الآية، دليلٌ على وجوب معرفة سبب النزول لدقة الحكم، وصحة الفهم.
...
روى أبو داود عن أسلم أبي عمران رحمهم الله تعالى قال: غزونا من المدينة نريد القسطنطينية وعلى الجماعة عبد الرحمن بن خالد بن الوليد، والروم ملصقوا ظهورهم بحائط المدينة، فحمل رجل على العدو، فقال الناس: مه، مه، لا إله إلا اللَّه، يلقي بيديه إلى التهلُكة.
فقال أبو أيوب: إنما أُنزلت هذه الآية فينا معشر الأنصار. لما نصر الله نبيه وأظهر الإسلام، قلنا: هلمّ نقيم في أموالنا ونصلحها، فأنزل الله: {وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ}، فالإلقاء بالآيدي إلى التهلُكة: أن نقيم في أموالنا ونصلحها، وَنَدعُ الجهاد.
قال أبو عمران: فلم يزل أبو أيوب يجاهد في سبيل الله، حتى دفن في القسطنطينية.
وروى الترمذي هذه الحادثة بألفاظٍ أخرى عن أسلم أبي عمران قال: كنا بمدينة الروم، فأخرجوا إلينا صفاً عظيماً من الروم، فخرج إليهم من المسلمين مِثْلهم أو أكثر، وعلى أهل مصر عُقْبَة بن عامر، وعلى الجماعة: فُضالَة بن عبيد، فحمل رجل من المسلمين على صف الروم حتى دخل فيهم، فصاح الناس وقالوا: سبحان الله، يلقي بيديه إلى التهلُكة!.