ولعل ما يصلح تفسيراً للخطأ في الفهم الذي وقع به عدي بن حاتم رضي الله عنه: أن الآية لم تنص عندما نزلت على أن المراد من الخيطين هو الليل والنهار، وأن كلمة " من الفجر " لم تنزل مع بقية الآية، وإنما تأخر نزولها، لحين وقوع بعض الصحابة في خطأ في فهم الآية، فكانت توضيحاً قرآنياً للمراد بالخيطين.
فقد روى البخاري عن سهل بن سعدٍ رضي الله عنه قال: أُنزلت: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ} ولم ينزل {مِنَ الْفَجْرِ} فكان رجالٌ إذا أرادوا الصوم ربط أحدهم في رجليه الخيط الأبيض والخيط الأسود، ولا يزال يأكل حتى يتبين له رِئْيُهُما، فأنزل الله بعد {مِنَ الْفَجْرِ} فعلموا أنه إنما يعني الليل والنهار.
وهناك عبرةٌ عظيمة، ودرسٌ بالغ، نأخذه من موقف عدي -ومن كان مثله من الرجال- من الخيطين، حيث أخذهما على ظاهرهما، وكأنه يدعونا إلى أن نقف أمام الأوامر والنصوص موقف المنفذ لها، وليس المتفلسف عليها، المؤوِّل لها، المحرِّف لمعناها.
***