ثم خالفوا هذا القول في الواقع، ثم أقصوا شرع الله وحكموا بما لم يأذن به الله، فلا قيمة لكلامهم ولا أثر له، وإنما المعتبر والمعتمد هو فعلهم وعملهم.
هذا إذا قالوا وصرحوا، فكيف إذا لم يقولوا ولم يصرحوا، فكيف نستنطقهم بما لم ينطقوه، ونقولهم ما لم يقولوه، ونقول: إنهم يؤمنون بشرع الله، ويعتقدون أنه الأفضل والأوْلى، ولكنهم عاجزون عن الالتزام به.
إن هذه الغفلة والسذاجة التي تصدر عن هؤلاء الذين يقولون هذا القول، وينظرون بهذا المنظار، ويفهمون هذه الآية هذا الفهم، تذكرنا بقصة الصياد مع العصافير، وهي قصة رمزية هادفة ذات دلالة.
يُحكى أن صياداً اصطاد مجموعة من العصافير في يومٍ بارد، ثم وضعها أمامه، وصار يذبحها واحداً واحداً، والباقي ينظر ويتفرج. وكانت دموع الصياد الجزار تنزل من عينيه بسبب البرد القارس والريح الشديد، فنظر عصفوران إليه وإلى دموعه، فقال أحدهما للآخر: انظر إلى الصياد المسكين، كيف يبدو حزيناً على ذبحنا، إنه يبكي شفقة علينا ورحمة بنا! فقال له العصفور الآخر بفطنة وذكاء: " لا تنظر إلى دموع عينيه، ولكن انظر إلى فعل يديه ".
فننصح المسلمين المعاصرين عندما يتعاملون مع الحكام الذين يقصون شرع الله وُيحلِّون مكانه شرع الكافرين، أن لا تخدعهم المظاهر والأقوال والتصريحات التي تصدر عن هؤلاء الحكام ولكن فلينظروا إلى تصرفاتهم وأعمالهم وممارساتهم وقوانينهم. بمعنى آخر نَهدي لهم قول العصفور الذكي: " لا تنظر إلى دموع عينيه، ولكن انظر إلى فعل يديه ".
إن الآيات موضوع البحث تتحدث عن الحكام أينما كانوا وحيثما وجدوا، إنها تحذر هؤلاء من الحكم بغير ما أنزل الله، وكل من ارتكب هذه المخالفة منهم، فإن الآيات تصفه بالكفر والظلم والفسوق.