ولقد نقل القرطبي في تفسيره: أن بعض العلماء قد فسروا الهيمنة بالتصديق، ونقل الآلوسيّ مثله، واستدل هؤلاء على ما ذكروه من تفسير الهيمنة بالتصديق، بقول الشاعر:

إن الكتاب مهيمن لنبينا ... والحق يعرفه ذوو الألباب

ثم قال الآلوسي: والعطف حينئذ للتأكيد أي عطف (مهيمنا) على (مصدقا) 1.

ولكني أرجح ما ذكرته أولا: لأن تفسير الهيمنة بالتصديق وإن كان مسلما لغة إلا أن قصر الهيمنة على مجرد التصديق تحكم محض إذ هي -على ما بينا- ليست تصديقا فقط، ولا شهادة لهذه الكتب فحسب، بل هي تصديق لما بقي من أصلها، وتكذيب لما عداه، وشهادة لها بصحة إنزال أصولها، وعليها بالتحريف والتبديل وبذلك يكون العطف للتأسيس لا للتأكيد.

يقول الدكتور محمد عبد الله دراز -رحمه الله- بعد أن فسر الهيمنة بالحراسة الأمينة: "ومن قضية الحراسة الأمينة على تلك الكتب أن لا يكتفي الحارس بتأييد ما خلده التاريخ فيها من حق وخير، بل عليه -فوق ذلك- أن يحميها من الدخيل الذي عساه أن يضاف إليها بغير حق، وأن يبرز ما تمس إليه الحاجة من الحقائق التي عساها أن تكون قد أخفيت منها، وهكذا كان من مهمة القرآن أن ينفى عنها الزوائد، وأن يتحدى من يدعي وجودها في تلك الكتب..

{قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} كما كان من مهمته أن يبين ما ينبغي تبيينه مما كتموه منها"2.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015