اليمن وجميع دعاة الإسلام من يزوغ فجر الإسلام إلى يومنا هذا كانوا يدعون إلى الله أفراداً وجماعات ويبلغ بعضهم عن بعض ولا يعلم لهذا الاصطلاح ذكر في الأوساط الإسلامية فيما نعلم وإذا كان كذلك فلا يكون اليوم ديناً ما لم يكن ديناً في عهد الوحي وما لم يعرفه أولئك السادة من الصحابة والتابعين الذين نقلوا الدين إلى من بعدهم ممثلاً في القرآن والسنة المطهرة. ليتضح أن هذا التصرف باطل من القول وما ترتب عليه من الأحكام التي منها التفريق بين الصفات الثابتة بالآحاد والثابتة بالمتواتر أو القرآن. والقول أن المعول عليه هو الدليل العقلي. وأما النقلي فتابع له إن وافق قبل وإلا رد كل ذلك تصرف محدث في الدين وقول في شريعة الله بلا هدى ولا دليل منير. وكل ما كان كذلك يجب رده صوناً للشريعة وحفظاً للعقيدة..
وبعد: فليس بعجب أن يصاب هؤلاء العلماء الذين تحدثنا عنهم بذلك المرض- مرض علم الكلام- في تلك العصور الخالية. ثم يتوب الله عليهم فيتوبوا لأن المرض الغريب المعدي الطارىء قد ينتشر بين الناس قبل أن تعرف أعراضه لجهل الناس بحقيقته حتى يقابل بالوقاية أولاً ثم بالعلاج إذا نزل، ولكن العجيب المثير أن يعرف المرض ويصاب به من شاء الله من عباده. ثم ينزل الله الشفاء على من شاء منهم فيزول البأس فيصف أولئك المرضى- بعد أن عافاهم الله- خطورة ذلك المرض وسوء حالهم ووحشتهم عند ما كانوا مصابين به ثم ينشطوا في تحذير الناس من التعرض لأسبابه وينصحوا بالابتعاد عنه واستعمال الوقاية ضده، وبعد هذا كله يتعرض بعض الناس لهذا المرض فيصاب به عدد كبير من شباب المسلمين.. ويعيش هؤلاء المرضى بين الأصحاء مختلطين بهم وهم لا يشعرون أنهم مرضى ومن عرف منهم أنه مريض يتجاهل مرضه ويخفيه.
هذا هو حال علم الكلام وعلماء الكلام ومثلهم أصيب الفخر الرازي والإمام الجويني والشهرستاني والغزالي وغيرهم من كبار علماء المسلمين بداء الكلام. وفي نهاية المطاف أدركوا أنهم قضوا أعمارهم فيما لا طائل تحته، وأن علم الكلام حال بينهم وبين النظر في كتاب الله وسنة نبيه والانتفاع بهما ثم تاب الله عليهم فتابوا وألفوا كتباً تدل على توبتهم أو نشروا مقالات أو أبياتاً تدل على أنهم تابوا ومما كتبه الرازي في توبته كتابه المعروف (أقسام اللذات) .