يَتَقَدَّمْ ذَلِكَ، لَمْ يُؤْمَرْ بالقضاءِ وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ شُرُوطِ القضاءِ تَقَدُّمُ الوجوبِ، بَلْ تقدمُ سَبَبِهِ، وَبِهِ صَرَّحَ الإمامُ وغيرُهُ، فَإِنَّ الحائضَ تَقْضِي مَا حُرِّمَ عَلَيْهَا فِعْلُهُ فِي وَقْتِ الحيضِ، والحرامُ لاَ يَتَّصِفُ بالوجوبِ.
وَقَوْلُهُ: مُطْلَقاً. أَيْ: سَوَاءٌ كَانَ يَجِبُ أَدَاؤُهُ كَالظُّهْرِ المتروكةِ عَمْداً أَمْ لَمْ يَجِبْ وَأَمْكَنَ كصومِ المسافرِ، أَوِ امْتَنَعَ عَقْلاً كصلاةِ النائمِ، أَوْ شرعاً كصومِ الحائضِ، وَهَذَا مِنَ الْمُصَنِّفِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ مَا انْعَقَدَ سَبَبُ وجوبِهِ وَلَمْ يَجِبْ لِمَانِعٍ أَوْ فَوَاتِ شَرْطٍ أَوْ تخفيفاً مِنَ الشارعِ سُمِّيَ تَدَارُكُهُ بَعْدَ الوقتِ قضاءً على وجهِ الحقيقةِ، وهي طريقةُ المتأخرِينَ، وَقَالَ الْغَزَالِيُّ: إِنَّ إِطْلاَقَ اسمِ القضاءِ على هذه الصورةِ يَكُونُ على وجهِ المجازِ، لَكِنْ جَزَمَ بذلكَ فِي الحائضِ والمريضِ الذِي كَانَ يَخْشَى الهَلاَكَ في الصومِ وَتَرَدَّدَ في بَقِيَّةِ الصورِ، ثُمَّ رَجَّحَ كَوْنَهُ مَجَازاً.
قِيلَ: والخلافُ في ذلكَ لَفْظِيٌّ.
قُلْتُ: قَدْ تَظْهَرُ فائدتُهُ في النِّيَّةِ، إِذَا شَرَطْنَا التعرضَ لِنِيَّةِ القضاءِ، قَالَ بَعْضُهُمْ والحقُّ أَنَّ الْحَدَّ تَمَّ عِنْدَ قَوْلِهِمْ: خَارِجُ وَقْتِهَا، وَلاَ حَاجَةَ إلى قيدٍ آخَرَ؛ لأَنَّهُ مَتَى لَمْ يَتَقَدَّمْ سببُهَا لاَ يَكُونُ المفعولُ بَعْدَ الوقتِ تِلْكَ العبادةِ بَلْ غَيْرَهَا، ـ والمقضيُّ المفعولُ مَا سَبَقَ في المُؤَدَّى يَاتِي بِعَيْنِهِ هُنَا حَتَّى يَعْتَرِضَ عَلَى ابْنِ الحَاجِبِ فِي قَوْلِهِ: القضاءُ مَا فُعِلَ لتعريفِ الْمَقْضِيِّ لاَ القضاءُ الذِي هو المصدرُ، وَعَبَّرَ هُنَا بالمفعولِ لأَنَّهُ الأحسنُ وَإِنَّمَا عَبَّرَ هُنَاكَ بِمَا فُعِلَ للتنبيهِ على الاعتراضِ، فَاسْتَغْنَى بِهِ عَنْ تَكْرِيرِ العبارةِ هُنَا (18 أ).