يُعْلَمُ حَدُّ كُلِّ واحدٍ بمفردِهِ، بِأَنْ يُؤْخَذَ مَوْرِدُ التقسيمِ الذِي هُوَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ جَمِيعِهَا، وَيُمَيَّزَ كُلُّ واحدٍ مِنْهَا، وَقَيَّدَ الأَوَّلَ بالثانِي، وهذه طريقةٌ يَسْتَعْمِلُهَا الْمُصَنِّفُونَ فِي كُلِّ حصرٍ، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لأنَّ مَوْرِدَ التقسيمِ قَدْ لاَ يَكُونُ جِنْساً، وَالْمُمَيِّزُ قَدْ لاَ يَكُونُ فَصْلاً، وَلاَ يُعْرَفُ بِهَذَا التقسيمِ حُدُودُهَا، إِلاَّ أَنْ يُرِيدُوا بِالحَدِّ مَا هُوَ أَعَمُّ مِنَ الْحَدِّ وَالرسمِ.

والحاصلُ أَنَّ التقسيمَ الحاصرَ يَجُوزُ أَنْ يَخْرُجَ مِنْهُ الْحَدُّ، وَلاَ يَجِبُ ذَلِكَ، لِجَوَازِ وُقُوعِ التقسيمِ فِي أَعَمٍّ، لاَ يَكُونُ جِنْساً؛ بَلْ عَرَضاً عَامًّا، كَقَوْلِنَا: الماشِي إِمَّا أَنْ يَكُونَ نَاطِقاً أَوْ لاَ، وَلَيْسَ حَدُّ الإنسانِ أَنَّهْ مَاشٍ نَاطِقٌ.

وَقَالَ الصَّفَّارُ فِي (شَرْحِ سِيبَوَيْهِ): إِنَّمَا يُحَدُّ الشيءُ لامْتِنَاعِ الحصرِ، فَإِذَا انْحَصَرَ فَلاَ يَنْبَغِي (3 أ) أَنْ يُحَدَّ، وَإِنَّمَا وُسِّطَ هَذَا بَيْنَ مَا سَبَقَ وَبَيْنَ قَوْلِهِ: (وَقَدْ عُرِفَتْ) لِيَتِمَّ التقسيمُ، وَكَأَنَّهُ قَدْ قَصَدَ بقولِهِ: (عُرِفَتْ حُدُودُهَا) التنبيهَ عَلَى الاستغناءِ بِذَلِكَ عَنِ الرسومِ المذكورةِ فِي (الْمِنْهَاجِ) بَعْدَ التقسيمِ.

فَإِنْ قُلْتَ: كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ: فَإِنْ وَرَدَ سبباً أَوْ شَرْطاً أَوْ مَانِعاً؛ لأنَّ السببَ نَفْسَهُ لَيْسَ هُوَ الْحُكْمُ؛ بَلْ جَعَلَ الشَّارِعُ إِيَّاهُ.

قُلْتُ: يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ انْتِصَابُهَا بِمَصْدَرٍ محذوفٍ، أَيْ: بجعلِهِ الوصفَ سبباً.

(ص): (وَالْفَرْضُ وَالوَاجِبُ مُتَرَادِفَانِ، خِلاَفاً لأَبِي حَنِيفَةَ، وَهُوَ لَفْظِيٌّ).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015