التَّعَرَّضَ له، واخُتُلِفَ فيه، فقالَ ابنُ الحَاجِبِ، حتى مِثْلُ الفاءِ، يعني: في الترتيبِ، وقالَ الخفافُ= والصَّيْمَرِيُّ=: هي في العطفِ كالواوِ، وجَرَى عليه ابنُ مالِكٍ في (شَرْحِ العُمْدَةِ) قالَ: وزَعَمَ بعضُ المُتَأَخِّرِينَ أنَّها تَقْتَضِي الترْتِيبَ. وليسَ بصحيحٍ، بل يَجُوزُ أنْ تقولَ: حَفِظْتُ القرآنَ حتى سورةَ البَقَرَةِ، وإنْ كانَتْ أوَّلَ ما حَفِظْتَه أو مُتَوَسِّطَ، وفي الحديثِ: ((كُلُّ شَيْءٍ بِقَضَاءٍ وَقَدَرٍ حَتَّى الْعَجَزُ والكَيْسُ)). ولا ترتيبَ في تَعَلُّقِ القضاءِ بالمُقْضَياتِ، إنَّما الترتيبُ في كونِها، وتوسَّطَ ابنُ أَبَانٍ فقالَ: الترتيبُ الذي تَقْتَضِيهِ (حتى) ليسَ على تَرْتِيبِ الفاءِ، وثمَّ، وذلِك أنَّهما يُرَتِّبانِ أَحَدَ الفِعْلَيْنِ على الآخَرِ في الوجودِ، وهي تُرَتَّبُ ترتيبَ الغايةِ والنهايَةِ، ويُشْتَرَطُ أنْ يكونَ ما بَعْدَها من جِنْسِ ما قَبْلَها، ولا يَحْصُلُ ذلك إلاَّ بذِكْرِ الكُلِّ قبلَ الجُزْءِ.

قالَ الجُرْجَانِيُّ: الذي أَوْجَبَ ذلك أنَّها للغَايَةِ والدلالَةِ على أَحَدِ طَرَفِي الشيءِ، وطَرَفُ الشيءِ لا يكونُ من غيرِه؛ ولهذا كانَ فيها معنَى التعظيمِ والتحقيرِ؛ وذلك لأنَّ الشيءَ إنْ أَخَذْتَه من أعلاهُ فأَدْنَاهُ غايَتُه وهي التحقيرُ، وإنْ أَخْذَتَه من أَدْنَاهُ فأَعْلاهُ غايَتُه وهي التعظيمُ، قلتَ: وقد يَرِدُ على القائلِينَ أنَّها لَيسَتْ للترتيبِ قولُهم: إنَّها للغايةِ إمَّا في نَقْصٍ أو زيادةٍ، نحوَ: غَلَبَكَ الناسُ حتى النائِيَ، وسُبْحَانَ مَنْ يُحْصِي الأشْياءَ حتى مَثاقِيلَ الذَّرِّ، والجمْعُ بينَ الكلامَيْنِ مُشْكَلٌ، فإنَّها لو لم تكنْ للترتيبِ، لم يكنْ لاشتراطِ القوَّةِ والضعْفِ فائدَةٌ، ولو لم يَقْتَضِ التأخِيرَ عقلاً أو عَادَةً لم يُحْسِنْ ذلك،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015