الحرمين، وهو موافق لأصلهم في أن الاستطاعة قبل الفعل، وأن تكليف مالا يطاق، غير جائز، ونقل بعضهم، كالآمدي: أن الناس اتفقوا على جواز كون الفعل مأموراً به قبل حدوثه سوى شذوذ من أصحابنا، وعلى امتناع كون ذلك وقت حدوثه، فأثبته أصحابنا، ونفاه المعتزلة، وبه يشعر كلام الغزالي، وهذا صريح في أن الخلاف بينَ معظم الأصحاب والمعتزلة في المأمور، والمأمور إنما هو في وقت التلبس والحدوث لا قبله، والنقل الأول يقتضي تحققه فيهما، فبينهما تناقض، ولا يجمع بينَهما بأن يقال: إن الأول تفريع منهم على استحالة تكليف المحال، والثاني على جوازه ـ لأنَّه يقتضي جواز كون الفعل مأموراً به بعد حدوثه، وهذا الناقل نقل امتناعه وفاقاً، والتحقيق أنه قبل المباشرة مكلف بإيقاع الفعل في الزمن المستقبل، وامتناع الفعل في هذه الحالة بناء على عدم علته التامة، لا ينافي كون الفعل مقدوراً ومختاراً له، بمعنى صحة تعلق إرادته وقصده إلى إيقاعه، وإنما الممتنع تكليف ما لا يطاق، بمعنى أن يكون الفعل مما لا يصح تعلق قدرة (35 ب) العبد به، وقصده إلى إيجاده، وبهذا يندفع قولهم: إن الفعل تدور علته التامة ممتنع، ومعها واجب، فلا
تكليف إلا بالمحال؛ لأنَّ في الأول تكليفاً بالمشروط عندَ عدم الشرط، وفي الثاني تكليفاً بتحصيل الحاصل.
ص: (والأكثر: يستمر حال المباشرة، وقالَ إمام الحرمين والغزالي: ينقطع).