قال تعالى: {ومن يتوكل على الله فهو حسبه} وفي الحديث ((لو توكلتم على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدوا خماصا وتروح بطانا)) أي: تغدوا جياعا من المخمصة وتروح ممتلئة البطون, فمن غلبه الطير فهو المغلوب, وفيه إشارة خفية إلى طلب ما يسد وقته خاصة, ولا يحمل هم غده على يومه, فالمقتصر على ذلك هو المراد من الحديث ولله در القائل:
ومن ينفق الساعات في جمع ماله ... مخافة فقر فالذي فعل الفقر
وإن كان ممن عساه أن يتسخط أو يضطرب قلبه, ويستشرف الناس فالكسب أولى, لأن الاستشراف سؤال بالقلب وتركه أهم من ترك الكسب, والسعي في طلب الرزق لا يقدح في التوكل؛ لأن السبب من رزقه أيضا فإنه المقوي على الأعمال, وإنما المذموم التكاسل الذي يسميه كثير من البطالين التوكل, وفي هذا القول جمع بين أدلة الفريقين, وهو نظير جواز الصدقة بجميع المال لمن قوي ووثق من نفسه, والمنع لمن لم يصل إلى هذه الرتبة وحمل اختلاف الأحاديث على هاتين الحالتين, وهذا ما نقله الحليمي في (المنهاج) وجعل الاستكثار من نوافل الصيام والصلاة إذا لم يتبرم بها ولم يستثقلها نظير ذلك قال البيهقي في (شعب الإيمان) وعليه أكثر