المنع منه أمرا صناعيا، وهو أن الاستثناء يستعمل للاستقبال ولا يستعمل للماضي ولا للحال، فلا يصح أن يقال: هذا ثواب إن شاء الله تعالى، فلا يصلح: أنا مؤمن إن شاء الله وعزى جماعة هذا إلى غيره من الطاعات فكانوا يقولون: صليت إن شاء الله بمعنى القبول، بل صاروا يستثنون في كل شيء.

واعلم أن المصنف اقتصر من المحامل على الخامس، وقد يعكر عليه قول الحليمي: إن المؤمن لا ينبغي أن يمتنع من تسمية نفسه مؤمنا في الحال لما يخشاه من سوء العاقبة نعوذ بالله منه، لأن ذلك لا يقلب الموجود من الإيمان معدوما، وإنما يحبط أجره فالردة الطارئة والعياذ بالله لا ترفع الإيمان السابق، بل تقطعه من حين وجودها وتحبط أجر ما مضى لا عينه، يعني بدليل أنه لو عاد إلى الإسلام لا يلزمه قضاء ما فعله قبل الردة، وإنما حسن الاستثناء إذا قال: أنا مؤمن وأعيش مؤمنا وأموت مؤمنا وعليه يحمل قول ابن مسعود: قل: إني في الجنة، فإنه الذي يعلم كونه في الجنة لا من كان مؤمنا ساعة أو يوما أو سنة في عمره.

فائدة: عن سفيان الثوري لا يجوز لأحد أن يقول: أنا مؤمن في علم الله لأن علم الله لا يتغير وقد يتبدل حال الإنسان فيصبح مؤمنا ويمسي كافرا وبالعكس، قال المحب الطبري: وفي إطلاق هذا نظر، فإن من قال: أنا في علم الله الآن مؤمن وهو يعلم من نفسه الإيمان، فهو محق وعلم الله متعلق بالمعلوم على ما هو به في كل وقت بحسبه ولا يتغير ولا يتبدل، ولا يقال: علمه في الوقت الثاني بعدم إيمانه فيه محدث، لأن علمه الثاني غير الأول، لأنا نقول: علمه قديم بالمكان في الوقتين على اختلاف صفته وإنما تعلقه بالمعلوم فيها محدث، فالتعلق قديم والمتعلق والمتعلق حادثان ومثله قوله تعالى: {ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث} أي

طور بواسطة نورين ميديا © 2015