النبيِّ، صارَ كأنَّه رَدَّ الشيءَ إلى أصلِهِ المرفوضِ استعمالُه؛ كوَذَرَ ووَدَعَ، فمِن ثَمَّ كانَ الأمرُ فيه التخفيفَ؛ ولذلك قالَ سِيبَوَيْهِ: بَلَغَنَا أنَّ قَوْماً من أهلِ الحِجازِ من أهلِ التحقيقِ يُحَقِّقُونَ (نَبِيّ وبَرِيَّة). قالَ: وذلك رَدِيءٌ، وإنَّمَا اسْتَرْدَأَهُ؛ لأنَّ الغالبَ في مِثْلِهِ التخفيفُ على وجهِ البدلِ من الهمزِ، وذلك الأصلُ كالمرفوضِ، فضَعْفُه عندَهم لاستعمالِهِم فيه الأصلَ الذي قد تَرَكَه سائِرُهم، لا لأنَّ النبيَّ الهمزُ فيه غيرُ الأصلِ.
قالَ الفَارِسِيُّ: أمَّا ما رُوِيَ من إنكارِ النبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الهمزَ، فأَظُنُّ أنَّ مِن أهلِ النقلِ مَن ضَعَّفَ إسنادَه. قالَ: ومِمَّا يُقَوِّي تضعيفَه أنَّ مَن مَدَحَ النبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقالَ: يا خَاتَمَ النُّبَآءِ. لم يُؤْثَرْ فيه إنكارٌ عليه، ولو كانَ في واحدِهِ نَكِيرٌ لَكَانَ الجمعُ كالواحدِ، وأيضاًً فلم يُعْلَمْ أنَّه عليه الصلاةُ والسلامُ أَنْكَرَ على الناسِ أنْ يَتَكَلَّمُوا بِلُغَاتِهِم.
وأمَّا معناه: فقيلَ: هو والرسولُ بمعنًى واحدٍ. والصوابُ تَغَايُرُهما، واخْتُلِفَ في التمييزِ بينَهما، والمُعْتَمَدُ ما قالَه الحَلِيمِيُّ وغيرُه؛ مِن أنَّ النبيَّ مُشْتَقٌّ مِن النَّبَأِ، وهو الخبرُ، إلاَّ أنَّ المُرَادَ هنا خَبَرٌ خاصٌّ عمَّن يُكْرِمُه اللهُ تعالَى بأنْ يُوقِفَه على شَرِيعَتِهِ، فإنِ انْضَافَ إلى هذا التوقيفِ أَمْرٌ بتبليغِهِ الناسَ ودُعَائِهِم إليه كانَ نَبِيًّا ورسولاً، وإلاَّ