أول الأمر كل ما يتوهم تعلق الخصم به بطريق السبر ويبطله بحيث كان لا يبقي للخصم متعلقاً، قال وهذا بعيد في حق المناظر لما ذكرنا، متجه في حق المجتهد، إذ على المجتهد تمام النظر لتحل له الفتوى، وليس على المعلل الارتقاء مرتبة من مراتب النظر إلى أن ينزل عنه إلى مرتبة أخرى بالمعاونة والمناظرة فتحصلنا على ثلاثة مذاهب.
(ص): فإن أبدى المعترض وصفاً آخر ترجح جانب المستدل بالتعدية، وإن كان متعدياً إلى الفرع ضر عند مانع العلتين أو إلى فرع آخر طلب الترجيح.
(ش): لو أبدى المعترض وصفاً آخر مثل الأول تعادلا، وترجح جانب المستدل بأن دورانه موافق لتعدية الحكم، والوصف الحادث قاصر، وهو بناء على أن المتعدية أرجح من القاصرة، وأن المتعدي إلى فروع أولى من المتعدي إلى فرع واحد، فإن كان الوصف الذي أبداه المعترض متعدياً إلى الفرع المتنازع فيه انبنى على التعليل بعلتين، فإن منعنا ضر وإلا فلا، إذ يجوز اجتماع معرفين على معرف واحد، وإن كانت علته متعدية إلى فرع آخر غير صورة النزاع تعادلا وطلب الترجيح من خارج، أما إذا كان الوصف الذي أبداه المعترض مناسباً، والأول غير مناسب قدم قطعاً.
فائدة: استدل المالكية على طهارة الكلب بأن الحياة علة للطهارة، فإن الشاة ما دامت حية فهي طاهرة، فإذا زالت الحياة زالت الطهارة، واعترض على الدوران بالمزكى والجلد المدبوغ، فأجابوا: بأن العلل الشرعية يخلف بعضها بعضاً فالزكاة والدباغ علتان للطهارة، خلفتا الحياة، وأقوى من إيراد المزكى والمدبوغ إيراد السمك والجراد، فإنه لا يتجدد فيها سوى الموت، ولا يمكن إحالة طهارتهما على شيء آخر