وقول المصنف كاد الإمام يوافقه، يعني لاعتباره المصلحة في الجملة، لكنه لم يعتبر جنس المصلحة مطلقاً كمالك، بل قد بالغ في (البرهان) في الرد عليه، وقال: الذي ننكر من مذهبه تركه رعاية ذلك، وجريانه على استرساله في (الاستصواب) من غير اقتصاد، ونحن نعرض على مالك، واقعة نادرة لا يعهد مثلها، ونقول: لو رأى ذو نظر فيها جدع أنفه، أو اصطلام سيفه، وأبدى رأيه لا تنكره العقول صائراً إلى أن العقوبة شرعت لحسم الفواحش وهذه العقوبة لائقة بهذه النازلة للزمك التزام هذا لأنك تجوز لأصحاب الإيالات القتل في التهمة العظيمة، حتى نقل عنك الثقات أنك قلت: أقتل ثلث الأمة في استبقاء ثلثيها، ثم إنا نقول له ثانياً: لا يجوز التعلق بكل رأي فإن أبى ذلك لم نجد مرجعاً يفد عنه إلا ما ارتضاه الشافعي رضي الله عنه من اعتبار المصالح المشبهة بما علم اعتباره، وإن لم يذكر ضابطاً، وصرح بأن كل ما لا نص فيه، ولا أصل له فهو مردود إلى الرأي، واستصواب ذوي العقول، فهذا اقتحام عظيم، وخرج عن الضبط، ومصير إلى إبطال أبهة الشريعة، وأن كلا يفعل ما يرى ثم يختلف ذلك باختلاف الزمان والمكان ولصيانة الخلق وهو في الحقيقة خروج عما درج عليه الأولون.