وَحمل هَذَا على إِطْلَاقه ذَلِك
وَالصَّوَاب أَن يعْتَبر فَإِن أحب الْمَدْح ليلتذ بِسَمَاع مَا لَيْسَ فِيهِ كَانَ رذيلة ونقصا وَإِن أحبه ليفعل مَا يمدح بِهِ كَانَ فَضِيلَة لِأَنَّهُ يبْعَث على فعل الْفَضَائِل وَمَا بعث عَلَيْهَا كَانَ مِنْهَا
وَهَذَا أَمر يَنْبَغِي لكل عَاقل أَن يراعيه من نَفسه وَيفرق بَين متملقه احتيالا لما لَدَيْهِ وَبَين من يخلص لَهُ النَّصِيحَة من أهل الصدْق وَالْوَفَاء الَّذين هم مرايا محاسنه وعيونه وأمناء مشهده ومغيبه
قَالَ سُلَيْمَان بن دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام
شفتا الصّديق رحمتان وشفتا الْعَدو تنطق بالعداوة
وَقيل لبَعض الْحُكَمَاء
من أولى بك مِنْك وأصدق فِي نصيحتك من نَفسك لَك
قَالَ
من صدقني إِن نزعت ونبهني إِن غفلت
فَإِن أغفل هَذَا الْفرق والتمييز واستسهل الاغترار والتجويز داهن نَفسه ونافق عقله واستفسد أهل الْوَفَاء والصدق وَصَارَ مأكلة النِّفَاق والملق فأعقبه أَذَى ومضرة وتورط بِهِ فِي شُبْهَة وحيرة واكتسب بِهِ هجنة ومعرة
وَقد قيل
الْمُنَافِق نصف حسده بِلَا عقل
وَالسُّلْطَان أولى من حذر ذَلِك وتوقاه لِأَن حَضرته لِكَثْرَة الراغبين فِيهَا كالسوق الَّتِي يجلب إِلَيْهَا مَا ينْفق فِيهَا وكل دَاخل عَلَيْهِ إِنَّمَا يُرِيد التَّقَرُّب إِلَيْهِ بقوله وَفعله إِمَّا طَالبا للمنزلة وَإِمَّا 12 ب اجتذابا للمنفعة وَإِمَّا حذرا من الْمُخَالفَة
فَإِذا لم يزجرهم عقل وَلم يَكفهمْ