الفَصْلُ الثَّالِثُ
خُطُوْرَةُ الكَلامِ في التَّارِيْخِ دُوْنَ عِلْمٍ
لاشَكَّ أنَّ الشُّرُوْعَ في بُحُوْرِ التَّارِيْخِ، أو الخَوْضَ فِيْهِ (سَوَاءٌ كَانَ تألِيْفًا أو تَحْدِيْثًا) لَيْسَ مِنَ السَّهْلِ بِمَكَانٍ، ومَا كَانَ (يَوْمًا) مَرْتعًا خَصْبًا لكُلِّ أحَدٍ؛ كَلاَّ!
فَهَذا العَلاَّمَةُ ابنُ خُلْدُوْنٍ رَحِمَهُ اللهُ (808)، يُشِيْرُ إلى نَحْوِ هَذَا الكَلامِ ـ بَعْدَ أنْ تَكَلَّمَ عَنْ أهَمِيَّةِ التَّارِيْخِ ـ قَائِلاً: «... فَهُوَ (التَّارِيْخُ) مُحْتَاجٌ إلى مَآخِذَ مُتَعَدِّدَةٍ ومَعَارِفَ مُتَنَوِّعَةٍ، وحُسْنِ نَظَرٍ وتَثَبُّتٍ يَفْضِيَانِ بصَاحِبِهِما إلى الحَقِّ ويُنَكِّبَانِ بِهِ عَنِ المَزَلاَّتِ والمَغَالِطِ؛ لأنَّ الأخْبَارَ إذا اعتُمِدَ فِيْها على مُجَرَّدِ النَّقْلِ، ولَمْ تُحْكَمْ أُصُولُ العَادَّةِ، وقَوَاعِدُ السِّيَاسَةِ، وطَبِيْعَةُ العُمْرَانِ، والأحْوَالُ في الاجْتِمَاعِ الإنْسَانِيِّ، ولا قِيْسَ الغَائِبُ مِنْها بالشَّاهِدِ، والحَاضِرُ بالذَّاهِبِ؛ فَربَّما لَمْ يُؤمَنْ فِيْهَا مِنَ العُثُوْرِ، ومَزَلَّةِ القَدَمِ، والحَيْدِ عَنْ جَادَّةِ الصِّدْقِ.