وما نقله هنا من أن ابن ميادة سرق الأبيات فغير مسلم في الجميع وابن ميادة هو الرماح ابن مالك بن أبرد بن ميادة المشار إليه، والأبيات له ما عدا الأولين ولهما ثالث لم يورده والثلاثة لأمرىء القيس بن حجر الكندي ولهما حكاية عجيبة هي أنه لما قتل والده مضى إلى قيصر ملك الروم يستنصره فوعده النصر فأقام بالقسطنطينية أياماً فرأته ابنة قيصر فعلقته وراسلته فاجتمع بها وفيها يقول الا انعم صباحاً القصيدة المشهورة وإن القصة بلغت قيصر فكره قتله جهاراً للشنعة فألبسه حلة قد دهن زيقها بالسم وأمره بالمسير فلما بلغ جبلاً يقال له عسيب يبعد عن القسطنطينية مسافتين لعب فيه السم فنزل إلى جانب قبر فلما أحس بالموت سأل عن القبر فقيل هو قبر امرأة غريبة فقال ادفنوني إلى جانبها وأنشد البيتين الأولين وبعدهما:

أجارتنا إنا غريبان ههنا ... وكل غريب للغريب نسيب

وأما قوله فإن تسأليني هل صبرت إلى آخر الأبيات فللرماح وما ذكر من أن الثالث لجاهلي لم يعلم له ناقل وقد ساق القصة ابن هشام في شرح الدريدية وذكرها ابن عساكر في تاريخه الكبير وقوله نظرت فلم أعيف يعني لم أدرك حال الفرقة من زجر الطير المعروف عندهم بالعيافة وهو علم نفيس ولنا فيه رسائل وأخبر ابن دريد عن عمه قال عشقت حبيبة الحضرية ابن عم لها فدرى قومها فحجبوها فأنشدت:

هجرتك لما أن هجرتك أصبحت ... بنا شمتاً تلك العيون الكواشح

فلا يفرح الواشون بالهجر ربما ... أطال المحب الهجر والحب ناصح

وبعد النوى بين المحبين والهوى ... مع القلب مطوي عليه الجوارح

وهذا الذي ذكر من أول الباب إلى هنا كالمقدمة لهذا الباب وقد آن الشروع في مقاصده وأصدرها بأحد العشاق الأربع قال الفارسي في تنزيه النفس من لدن أدار الله الأفق على نظام التربيع حيث جعل دائرة العالم العلوي أربعة والعناصر والرياح والطبائع كذلك جعل المذاهب وطريقة الحقيقة يعني مسالك الصوفية والعشاق كذلك وكل من هذه معروف في مواضعه. فأما العشاق فجميل بثينة ومجنون ليلى وكثير عزة وقيس لبنى وهذا سر إشارة الاستاذ في التائية وغيرها إلى ما ذكر كقوله:

بها قيس لبنى هام بل كل عاشق ... كمجنون ليلى أو كثير عزة

وأقدم الكلام على جميل لأنه كما يقال أنسب الأربعة. وأما تقديمه في نزهة النفوس المجنون فمراعاة للأولية وجميل المذكور هو ابن عبد الله بن عامر يتصل نسبه بقضاعة.

كذا قاله مغلطاي عن أبي الفرج الأصبهاني كان شاعراً فصيحاً منطقياً صادق الصبابة عفيفاً منزهاً عن الرذائل عارفاً بالنسيب، روى عنه كثير وهو عن هدية ابن الخشرم عن الحطيئة عن زهير بن أبي سلمى بضم السين صاحب المعلقة نشأ في قومه بني ربيعة بوادي القرى بين المدينة ومكة فعلق بثينة بن يحيى بن ثعلب من قومه صغيرين فلما انتشأ خطبها فرد لأن العرب كانت تستهجن إن تزوج من جرى بينهما عشق فكان يأتيها سراً يتحادثان فعلموا به فأرادوا قتله وأنها غمزته عن ذلك فاستخفى وفي ذلك يقول:

فلو أن الغادون بثنة كلهم ... غيارى وكل حارب مزمع قتلى

لحاولتها أما نهاراً مجاهراً ... وأما سري ليل ولو قطعت رجلى

فلما شاع ذلك شبب حواش أخو بثينة بأخت جميل وتفاخرا فغلبه جميل بشهادة العرب حتى قالوا له قل ما شئت في نفسك وأبيك وأنت الباسل الجواد ولحواش قل وأنت دونه في نفسك ويقال إن سبب عشقه بثينة أنه سرح أبله يوماً بواد البغيض وانسطح فأتت مع جوار يملأون الماء فعبثت بفصيل له فتسابا وهذا أخذ من قوله:

وأول ما قاد المودة بيننا ... بوادي بغيض يا بثين سباب

وقلت لها قولاً فجاءت بمثله ... لكل كلام يا بثين جواب

واستعدى أهلها عليه مروان بن هشام الحضرمي وكان والياً من قبل عبد الملك على تيماء وقيل ربعي بن دجاجة فتوعده فمضى مستخفياً إلى الشام وقيل إلى سيد من بني عذرة فأحسن مكانه وزين سبع بنات له رجاء أن يعلق واحدة منهن فيزوجه بها فكن يرفعن الخباء إذا أقبل جميل ففطن لذلك فأنشد:

حلفت لكيما تعلميني صادقاً ... وللصدق خبر في الأمور وأنجح

لتكليم يوم واحد من بثينة ... ورؤيتها عندي الذوا ملح

طور بواسطة نورين ميديا © 2015