فصعق الشبلي وخر مغشياً عليه فلما أفاق وجد القيود مطروحة ولم ير الأسود. وعن علي ابن سعيد العطار قل مررت بعبادان بمكفوف مجذوم فإذا الزنبور يقع عليه فيقطع لحمه فقلت الحمد لله الذي عافاني مما ابتلاه وفتح من عيني ما أغلق من عينيه قال فبينما أنا أردد الحمد إذ صرع فبينما هو يتخبط نظرت إليه فإذا هو مقعد فقلت مكفوف يصرع مقعد مجذوم قال فما استتممت كلامي حتى صاح بي فقال ما دخولك فيما بيني وبين ربي دعه يفعل بي ما يشاء ثم قال وعزتك وجلالك لو قطعتني إرباً إرباً أو صببت علي العذاب صباً ما ازددت لك إلا حباً وللشبلي رضي الله عنه.
إن المحبين أحياء ولو دفنوا ... في الترب أو غرقوا في الماء أو حرقوا
أو يقتلوا بسيوف وسط معركة ... أو حتف أنف وإن أضناهم الغرق
لو يسمعون منادي الحب صاح بهم ... يوماً للباه من بالحب يحترق
وعن أحمد بن عيسى الجزار قال دعتني امرأة إلى غسل ولدها فلما جردته قبض علي يدي فقلت سبحان الله أحياه بعد موت فقال إن المحبين لله أحياء وإن ماتوا. ودعا عبد الواحد يوماً جماعة من الصوفية فأولمهم وكان فيهم عتبة الغلام فقام لخدمتهم ولم يأكل فلما انصرفوا قال له عبد الواحد لم لا تأكل قال ذكرت أهل الجنة واجتماعهم على الموائد وقيام الخدم على رؤوسهم فاشتقت إلى ذلك فأبت نفسي الطعام فبكى عبد الواحد وتفرقا متعاهدين على أن لا يولما ولا يشبعا من نوم ولا طعام. وقيل إن عتبة عاهد الله على أن لا ينام إلا مغلوباً وقرأ غلام يوماً بين يدي صالح المزي بالمعجمة نسبه إلى قرية بدمشق وأنذرهم يوم الآزفة إذ القلوب لدى الحناجر كاظمين ما للظالمين من حميم ولا شفيع يطاع فقال كيف يكون لهم حميم وشفيع مطاع والمطالب لهم رب العالمين والملائكة تسوقهم بمقامع الحديد يسحبون تارة على الوجوه ويمشون أخرى ما بين باك ومناد بالويل ثم صاح يا ويلتاه ويا سوء منظراه. وبكى وبكت الناس فقام فيه تأنث فقال أوكل ذلك في القيامة يا أبا بشر فقال وأكثر من ذلك لقد بلغني أنهم يصرخون إلى أن تنقطع أصواتهم فقال الشاب إنا لله وإنا إليه راجعون ثم بكى وخر ميتاً بعد أن استقبل ودعا بالتوبة فرؤي بعد قليل في النوم فقيل له ما فعل الله بك فقال أدخلني الجنة ببركة مجلس صالح ودعا صالح يوماً فمر به مخنث وهو يقول في دعائه اللهم أغفر لأقسانا قلباً واجمدنا عيناً واقربنا بالذنوب عهداً، فسمع المخنث فمات فرؤي في المنام فقال كما قال الشاب.
وقال عبد الوارث نظرت إلى رباح القيسي يقبل غلاماً من أهله فقلت تحبه قال نعم قلت ما كنت أظن أن في قلبك بقية لأحد فخر مغشياً عليه فلما أفاق مسح وجهه وقال إنما هي رحمة منه ألقاها في قلوب العباد.
وحكى ابن سعيد التيمي قال نظرت إلى جارية سوداء تسف الخوص وهي تقول:
لك علم بما يجنّ فؤادي ... فارحمن ذل ذلتي وانفرادي
فقلت لها ما علامة الحب وكان إلى جانبها يصرع فقال يا بطال الحب أن تقول لهذا المجنون قم فيقوم ورمقته فقام والجني يقول ويحك لا عدت إليه أبداً فهذا ملخص ما ناسب ترجمة الباب وقد ذكر في الأصل ما لا علاقة له إذا أمعن النظر بهذا المحل وربما يأتي بعضه حيث نجد له محلاً.
قال عبد الرحمن الصوفي مررت في أسواق بغداد بسوق النخاسين فرأيت جمعاً كبيراً على شاب مطروح فقلت ما باله قالوا سمع قارئاً يقرأ ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله فسقط مغشياً عليه قال فلما سمع الكلام انتبه وهو يقول:
ألم يأن للهجران أن يتصرما ... وللغصن غصن البان أن يتبسما
وللعاشق الصب الذي مات وانحنى ... أما آن أن يبكي عليه ويرحما
كتبت بماء الشوق بين جوانحي ... كتاباً على نقش الوشاة منمنما
ثم صاح وخر مغشياً عليه.
وروى عن الحواري مثل ذلك إلا أنه زاد. وللغصن غصن البان أن يتكلما. وفي البيت الأخير كتاباً حكى نقش الوشاة. وقام أبو زهير في مجلس المزي فقال له اقرأ فقرأ صالح وقدمنا إلى ما عملوا من عمل إلى قوله وأحسن مقيلاً فقال له أعدها فلم يزل يكررها حتى سقط ميتاً.