فقال له أين التوبة فقال إن أخواني الذين ذكرتهم لكما البارحة عدوا علي وحلفوا أن لا يخرجوني إذا عمل بي الشراب فغلب علي وعليهم فخرجت فأطلقاه فلما كان الثالثة رأياه على تلك الحالة وهو يغني.

أرض عني فطالما قد سخطت ... أنت ما زلت جافياً مذ عرفت

أنت ما زلت قاطعاً لا وصولاً ... بل بهذا فدتك نفسي ألفت

ما كذا تفعل الكرام بنو النا ... س بأحبابهم فلم كنت أنت

فقالا له هذه ثالثة ولا عفو فقال أخطأتما قالا ولم ذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من شرب الخمر لم تقبل له صلاة أربعين ليلة فإن تاب تاب الله عليه فإن شربها الثانية لم تقبل له صلاة أربعين ليلة فإن تاب تاب الله عليه فإن شربها الثالثة لم تقبل له صلاة أربعين ليلة فإن تاب تاب الله عليه فإن شربها الرابعة لم تقبل صلاة أربعين ليلة فإن تاب لم يتب الله عليه وكان حقاً على الله أن يسقيه من طينة الخبال وهي عصارة أهل النار فقالا له اذهب فلما كانت الرابعة رأياه على الحكم وهو ينشد:

قد كنت أبكي وما حنت لهم أبل ... فما أقول إذا ما حمل الثقل

كأنني بك نضو الأحراك به ... تدعي وأنت عن الداعين مشتغل

فقلوبك بأيديهم هناك وقد ... سارت بأحمالك المهربة الذلل

حتى إذا استيأسوا من أن تجيبهم ... عضوا عليك وقالوا قد قضى الرجل

فقال له لم يبق عفو فقال افعلا ما بدا لكما فحملاه إلى عمر فاستنكهه فوجد الرائحة فحبسه حتى أفاق وجلده ثمانين ثم قال له لا تعد فقال قد ظلمتني يا أمير المؤمنين لأني عبد وقد جلدتني حد الأحرار فقال أخطأت إذ لم تعرفني وغم عمر فاقل له الشيخ لا تحزن يا أمير المؤمنين واجعل الأربعين سلفاً عندك فضحك حتى استلقى على ظهره ثم قال لصاحب العسس إذا رأيت مثل هذا فارفعه إلي واجتمع قوم عند بصيص جارية ابن نفيس وكانت اعجوبة وقتها في الحسن والغناء يتمنى كل أحد رؤيتها ولو بذهاب نفسه فتذاكروا بخل مزيد فقالت أنا آخذ منه درهماً فقال مولاها إن فعلت جعلتك حرة وكسوتك ثوب وشى وأولمت لك يوماً بالعقيق فقالت أرفع الغيرة فقال ولو رفع رجليك لم أقل شيأ فخرج ابن مصعب فرآه في مسجد المدينة فقال له يا أبا إسحق أما تحب أن ترى بصيص جارية ابن نفيس فقال امرأته طالق إن لم يكن الله ساخطاً علي فيها وإن لم أكن اسأله أن يرينها منذ سنة فما يفعل فقلت له اليوم إذا صليت العصر فوافني ههنا قالت امرأته إن برحت من ههنا حتى تجيء صلاة العصر قال فتصرفت في حوائجي حتى كان العصر فدخلت المسجد فوجدته فيه فأخذت بيده وأتيتهم به فأكلوا وشربوا وتساكر القوم وتناوموا فأقبلت بصيص على مزيد فقالت يا أبا إسحق كأن نفسك تشتهي أن أغنيك الساعة.

لقد حثوا الجمال ليهربوا منا فلم ينلوا

فقال امرأته طالق إن لم تكوني تعلمين ما في اللوح المحفوط قال فغنته ثم سكتت ساعة وقالت يا أبا إسحق كأن نفسك تشتهي أن تقوم فتجلس إلى جانبي وتقرصني قرصات وأغنيك.

قالت وأبثثتها وجدى فبحت به ... قد كنت عندي تحب الستر فاستتر

ألست تبصر من حولي فقلت لها ... غطى هواك وما ألقي على بصري

فقال امرأته طالق إن لم تكوني تعلمين ما في الأرحام وما تكسب الأنفس غداً وبأي أرض تموت فغنته ثم قال برح الخفاء أنا أعلم أنك تشتهي أن تقبلني شوق البين وأغنيك هزجاً.

أنا أبصرت بالليل ... غلاماً حسن الدل

كغصن البان قد ... أصبح مسقياً من الطل

طور بواسطة نورين ميديا © 2015