ومن الثالث ما حكى عن حبوبة بن حباب الطابخي أنه حين قتل أبوه رجلاً من كلب من فخذ وبرة ووجبت عليه الدية رهنه صغيراً مع أمه، وخرج ليجمعها فمات فأقاما عندهم وأنه كان شاباً حسناً جميلاً فولع به النساء حتى شاع أمره فطردوه فوقع بعدما قتل أخا امرأة اشتهر بها إلى بلقين، فأجاروه ففعل عندهم ما فعل في كلب واشتدوا عليه فجاء إلى أمه ليلاً فأخفته وأخبرت ظئراً لها، فقالت ادفعه إلي فأخذته فجعلته في متاع لها خارج البيت ومر عدي رئيس بني كلب فقال ما هذا قالت متاعي وأنا على سفر وأريد أن تجيره، فقال قد أجرته وحمله إلى بيته وقد أنكره ففتش فرآه فقال لا حياك الله، وخرج فأقام عنده زماناً فعلق ابنته وطال بينهما الأمر فأنشد فيها:

ما زلت أطوي الحي أسمع حسهم ... حتى وقفت على ربيبة هودج

فوضعت كفي عند مقطع خصرها ... فتنفست صعداً ولما تنهج

وتناولت رأسي لتعلم مسه ... بمخضب الأطراف غير مشنج

قالت وعيش أبي وحرمة والدي ... لأنبهنّ الحيّ إن لم تخرج

فخرجت خيفة أهلها فتبسمت ... فعلمت أنّ يمينها لم تحرج

وبلغ عدي بن أوس ذلك فقتله.

ومن الثالث قصة وضاح اليمن المشهورة واسمه إسمعيل أو عبد الله أو عبد الرحمن ابن كلال وكان من أمره أنه كان يبرقع وجهه خوف الفتنة بحسنه، وأنه نشأ مع أم البنين بنت عبد العزيز صغيرين فكان لا يصبر أحدهما عن الآخر.

فلما بلغت حجبت فازداد شوقهما، فحين أفضت الخلافة إلى الوليد بن عبد الملك. وقيل ليزيد والصحيح الأول لما سبق في قصة حبابة، وذكر زوجات يزيد حجبها فازداد بوضاح الأمر حتى نحل، فخرج إلى الشام فكان يطوف بالقصر إلى أن ظفر بجارية لأم البنين فأخبرها بمكانه وأنه ابن عم مولاتها فأخبرتها فأدخلته في صندوق، فكانت إذا أمنت تمكث معه وإذا خافت أدخلته الصندوق وجيء للوليد بجوهر نفيس فأمر خصياً بحمله إليها فحين دخل الخصي وجد وضاحاً فأدخلته الصندوق واستوهبها الخادم لؤلؤة فأبت فمضى وأخبر الوليد.

فدخل عليها فمازحها واستوهب الصندوق فأبت فراجعها فوهبته إيه، واحتمله إلى مجلسه. فلما جاء الليل أمر غلمانه فحفروا إلى الماء ثم قال مشافها للصندوق خفية قد بلغنا عنك أمر فإن كان صحيحاً فقد كافأناك، وإلا فما علينا في دفن الخشب ورماه ورمي الخصي حياً، وقيل ضرب عنقه حين أخبره وأهال التراب ولم يبين لها غيظاً، وقيل فارقها وأنها كانت تأتي المكان فتبكي فوجدت ميتة فيه.

وقيل أنه لم يقتله بذلك وإنما شبب بها حين رآها في طريق الحاج فبلغه تشبيبه بها فاستشار فيما يفعل به فقيل له أكرمه كما فعل معاوية بأبي دهبل حين شبب بأخته فأبى إلا قتله.

ومنه أيضاً سحيم وهو حبشي نشأ في بني الحسحاس، وكان أعجمياً غليظاً ثم تخرج في الشعر وشاع ذكره حتى اشتري لعثمان فقال لا حاجة لي بن إذا شبع شبب بالنساء، وإذا جاع هجا فرده فاشتراه رجل منهم اسمه أبو معبد فعلق ابنته وأنهم خرجوا إلى سفر فتشوق أبو معبد إلى ابنته فكان يتمثل بهذا البيت:

عميرة ودع إن تجهزت غادياً ... كفى الشيب والاسلام للمرء ناهيا

فأكمل العبد القصيدة بما يزيد على مائة بيت فمنها في التشبيب بابنة مولاه:

وبتنا وسادانا إلى علجانة ... وحقف تهاداه الرياح تهاديا

توسدني كفاً وتثني بمعصم ... عليّ وتحوي رجلها من ورائيا

وهبت شمال آخر الليل قرة ... ولا ثوب إلا درعها وردائيا

فما زال ثوبي طيباً من نسيمها ... إلى الحول حتى أنهج الثوب باليا

فذهب جندل به ليبيعه فأنشد:

وما كنت أخشى جندلاً أن يبيعني ... بشيء ولو أمست أنامله صفرا

أخوكم ومولى مالك وربيبكم ... ومن قد ثوى فيكم وعاشركم دهرا

أشوقاً ولما يمض بي غير ليلة ... فكيف إذا سار المطي بنا عشرا

فرق له فرده ولامه قومه وأرادوا قتل العبد فضن به ثم رفعه الحاكم فعزره ثمانين وانصرف به فأنشد:

أبا معبد بئس العزاضة للفتى ... ثمانون لم تترك لحلفكم جلدا

كسوني غداة البين سمراً كأنها ... شياطين لم تترك قراراً ولا عهدا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015