تزكيه النفوس (صفحة 72)

خسران عظيم لا يسمح بمثله إلا أجهل الناس وأحمقهم وأقلهم عقلاً، وإنما يظهر له حقيقة هذا الخسران يوم التغابن، قال تعالى: {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوَءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا} (آل عمران: من الآية 30).

ومحاسبة النفس نوعان: نوع من قبل العلم ونوع بعده:

أما النوع الأول: فهو أن يقف عند أول همّه وإرادته، ولا يبادر بالعمل حتى يتبين له رجحانهُ على تركه.

قال الحسن رحمه الله: " رحم الله عبداً وقف عند همه، فإن كان لله أمضاه، وإن كان لغيره تأخر "

وشرح بعضهم هذا فقال: إذا تحركت النفس لعمل من الأعمال، وهمّ به العبد، وقف أولاً ونظر: هل ذلك العلم مقدور عليه، أو غير مقدور، ولا مستطاع، فإن لم يكن مقدور لم يقدم عليه، وإن كان مقدوراً عليه وقف وقفة أخرى، ونظر: هل فعلهُ خير له من تركه، أم تركه خير له من فعله، فإن كان الثانى تركه ولم يقدم عليه، وإن كان الأول وقف وقفة ثالثة: هل الباعث عليه إرادة وجه الله عز وجل وثوابه، أم إرادة الجاه والثناء والمال من المخلوق، فإن كان الثانى لم يقدم، وإن أفضى به إلى مطلوبه، لئلا تعتاد النفس الشرك، ويخف عليها العمل لغير الله، فبقرد ما يخف عليها ذلك يثقل عليها العمل لله تعالى حتى يصير أثقل شىء عليها، وإن كان الأول وقف وقفة أخرى: ونظر هل هو معان عليه وله أعوان يساعدونه وينصرونه إذا كان العمل محتاج إلى ذلك أم لا؟ فإن لم يكن له أعوان أمسك عنه كما أمسك النبى - صلى الله عليه وسلم - عن الجهاد بمكة حتى صار له شوكة وأنصار، وإن وجده معاناً عليه فليقدم عليه فإنه منصور بإذن الله، ولا يفوت النجاح إلا من فوت خصلة من هذه الخصال، وإلا فمع اجتماعها

طور بواسطة نورين ميديا © 2015