تزكيه النفوس (صفحة 67)

لئن يخر من السماء إلى الأرض أحب إليه من أن يجدها، فهذا كما قال النبى - صلى الله عليه وسلم -: " صريح الإيمان (?)، وكذلك يطمئن من قلق المعصية، وانزعاجها إلى سكون التوبة وحلاوتها.

فإذا اطمأن من الشكّ إلى اليقين، ومن الجهل إلى العلم، ومن الغفلة إلى الذكر، ومن الخيانة إلى التوبة ومن الرياء إلى الإخلاص، ومن الكذب إلى الصدق، ومن العجز إلى الكيس، ومن صولة العجب إلى ذلة الإخبات، ومن التيه إلى التواضع، فعند ذلك تكون نفسه مطمئنة.

وأصل ذلك كله هى اليقظة، التى كشفت عن قلبه سِنة الغفلة وأضاءت له قصور الجنة، فصاح قائلاً:

ألا يا نفس ويحك ساعدينى ... بسعى منك فى ظلم الليالى

لعلك فى القيامة أن تفوزى ... بطيب العيش فى تلك العلالى

فرأى فى ضوء هذه اليقظة ما خلق له، وما سيلقاه بين يديه من حين الموت إلى دخول دار القرار، ورأى سرعة انقضاء الدنيا، وقلة وفائها لبنيها وقتلها لعشاقها، وفعلها بهم أنواع المثلات، فنهض فى ذلك الضوء على ساق عزمه قائلاً: {يَا حَسْرَتَى علَى مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ} (الزمر: من الآية 56).

فاستقبل بقية عمره مستدركاً ما فات، محيياً ما مات، مستقبلاً ما تقدم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015