صاحب الزرع، فكل من طلب أرضاً طيبة، وألقى فيها بذراً طيباً غير عفن ولا مسوس ثم أمده بما يحتاج إليه فى أوقاته، ثم نقى الشوك والحشيش وكل ما يمنع نبات البذرة أو يفسده، ثم جلس منتظرا من فضل الله تعالى دفع الصواعق والآفات المفسدة، إلى أن يتم الزرع ويبلغ غايته، سُمى انتظاره رجاءاً، وإن بث البذر فى ارض صلبة سبخة مرتفعة لا تصل إليها الماء، ولم يشتغل بتعهد البذر أصلاً ثم انتظر الحصاد منه، سُمى انتظاره حمقاً وغرواً لا رجاءاً.
فإذن اسم الرجاء إنما يصدق على انتظار محبوب تمهدت جميع أسبابه الداخلة تحت اختيار العبد، ولم يبق إلا ما ليس يدخل تحت اختيار العبد، وهو فضل الله تعالى بصرف القواطع والمفسدات، فالعبد إذا بذر الإيمان، وسقاه بماء الطاعات، وطهّر قلبه من شوك الأخلاق الرديئة، وانتظر من فضل الله تعالى تثبيته على ذلك إلى الموت، وحسن الخاتمة المفضية إلى المغفرة، كان انتظاره رجاءاً حقيقياً.
قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللهِ أُوْلَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللهِ وَاللهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} (البقرة: الآية 218).
يعنى أولئك يستحقون أن يرجوا رحمة الله، وما أراد به تخصيص وجود الرجاء لأن غيرهم أيضاً قد يرجو ولكن خصص بهم استحقاق الرجاء.
ومن كان رجاؤه هادياً له إلى الطاعة، زاجراً له عن المعصية، فهو رجاء صحيح، ومن كان رجاؤه داعياً له إلى البطالة والانهماك فى المعاصى فهو غرور.
ومما ينبغى أن يُعلم أن من رجا شيئاً استلزم رجاؤه ثلاثة أمور:
الأول: محبة ما يرجوه.
الثانى: خوفه من فواته.
الثالث: سعيه فى تحصيله.
أما رجاء لا يقارنه شىء من ذلك فهو من باب الأمانى، والرجاء