ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم وإذا كان هذا الأمر لازماً لا بد منه فكان أولى من قلده العامي الجاهل (والمبتدىء) المتعبد والطالب المسترشد والمتفقه في دين الله تعالى وأحق بذلك فقهاء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين أخذوا عنه العلم وعلموا أسباب نزول الأوامر والنواهي ووظائف الشرائع ومخارج كلامه عليه السلام.

وشاهدوا قرائن ذلك وثاقبوا في أكثرها النبي عليه السلام واستفسروه عنها مع ما كانوا عليه من سعة العلم ومعرفة معاني الكلام وتنوير القلوب وانشراح الصدور، فكانوا أعلم الأمة بلا مرية وأولاهم بالتقليد لكنهم لم يتكلموا من النوازل إلا في اليسير مما وقع، ولا تفرعت عنهم المسائل ولا تكلموا من الشرع إلا في قواعد ووقائع، وكان أكثر اشتغالهم بالعمل مما علموا والذبّ عن حوزة الدين وتوكيد شريعة المسلمين ثم بينهم من الاختلاف في بعض ما تكلموا فيه ما يبقي المقلد في حيرة ويحوجه إلى نظر وتوقف، وإنما جاء التفريع التنتيج وبسط الكلام فيما يتوقع وقوعه بعدهم، فجاء التابعون فنظروا في اختلافهم وبنوا على أصولهم ثم جاء من بعدهم العلماء من أتباع التابعين، والوقائع قد كثرت والنوازل قد حدثت، والفتاوى في ذلك قد تشعبت فجمعوا أقاويل الجميع وحفظوا فقههم وبحثوا عن اختلافهم واتفاقهم وحذروا انتشار الأمر وخروج الخلاف عن الضبط

طور بواسطة نورين ميديا © 2015