التراجم رتبتها من أول الأمر على حروف المعجم، ثم جاءت أسباب قطعت مواصلة السير، منها تراكم مشاكل الحياة اليومية، زيادة عن ظهور بعض المؤلفات والبحوث الجديدة مما دعاني أحيانا إلى الإضافة أو التعديل والتنقيح، حتى أن بعض التراجم أعدت كتابتها مرتين أو ثلاثا، فقلت في نفسي: هذا عمل شاق لا آخر له. وكلما صدر كتاب جديد في تاريخ تونس أو في تراجم أعلامها أطالعه ثم أنتقي منه ما أريد من تراجم ومعلومات لها صلة بهذه التراجم، وقلت في نفسي: هذه مشقة أخرى مطالعة وانتقاء وإضافة، متى تنتهي هذه السلسلة المتلاحقة؟ أما لها من آخر؟

واعترى عزيمتي الضعف، وساورها اليأس وضؤل نشاطى في التدوين، ثم ان المطالعة والبحث والكتابة مع تعدد المشاريع توزع الجهد ولا تساعد كثيرا على الإنتاج ذي الوجهة المعيّنة والمادة الغزيرة والحجم الكبير، وانقطعت عن مواصلة العمل مدة تقرب من ثماني سنوات ثم بدا لي مراجعته ومواصلته حتى يتم وقلت في نفسي أنجزه ولو كان فيه بعض جوانب نقص شعرت بها من أول وهلة لقلة ما لديّ من مادة ووسائل.

وغرضي من وضع هذا الكتاب هو سهولة الكشف عن تراجم المؤلفين التونسيين قدامى ومحدثين لذا رتّبته على حروف المعجم، أذكر اللقب العائلي، وإن اشتهر المترجم له بنسبته البلدية فقط اقتصرت على هذه النسبة. هذا وأشعر بأن التراجم متفاوتة في الكم والكيف وسبب ذلك أن بعض المترجم لهم لم تتوفر لدي المادة الكافية للإفاضة في ترجمتهم فاجتزأت بما وجدت وقد جالت بخاطري فكرة هي أن تبقى هذه التراجم مذكرة شخصية لي، وبعد التروي قلت في نفسي، إن إنجاز هذا العمل لا يخلو من فائدة للقاصرين أمثالي، ثم أنه إذا برز للوجود وتفضل الكاتبون الكرام والنقّاد ببيان ما فيه من جوانب نقص، كنت أنا أول المستفيدين من هذا البيان فأبذل جهدي لتلافي النقص في ملحق أو في طبعة ثانية إذا يسّر الله، وإذا بقي هذا التصنيف قابعا في زاوية من زوايا البيت أحرم من هذه الفوائد، ومثل هذا العمل عرضة للتحوير والتنقيح كلما ظهر جديد أو توفرت مواد لم تكن معروفة من قبل.

وقد حاولت في كل ترجمة ذكر ما تيسّر لي من آثار المترجم له وعقبت كل ترجمة بذكر مصادرها ومراجعها ولم أهمل ذكر ما وقفت عليه من صحف ومجلات.

وهذا التأليف أشبه شيء بالفهرس وقد سميته (تراجم المؤلفين التونسيين) وترجمت فيه للوافدين على تونس المتوفين بها، كما ترجمت فيه لعلماء إباضية من جزيرة جربة، ويلاحظ المتأمل أن بعضهم من ذوي الثقافة المحدودة وأن إنتاجهم ليس بذي قيمة كبيرة وأنّ بعضهم من نوابغ الأعلام ذوي المواهب الغزيرة والإنتاج الثري المتنوع الذين كان لهم فضل في إثراء المكتبة العربية الإسلامية، وقد عجبت من إهمال المؤرخين التونسيين - من غير الإباضية - ترجمتهم والتنويه بهم ولا داعي لهذا غير التعصب المذهبي، وقد سار في هذا الطريق بعض المعاصرين، وإخواننا الإباضية لا يبذلون جهدا كبيرا في التعريف بأنفسهم، وكتبهم مخطوطة محتكرة عندهم لا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015