المخصوف، ويحب لبسن الحبرة، وكان يعصب على بطنه الحجو من
الجوع، وقد أتي بمفاتيح خزائن الأرض فلم يقبلها واختار الآخرة عليها،
وكان يكثر الذكر، ويطيل الصلاة، ويقصر الخطبة، وكان كثير التبسم
حسن البشر، يحب الريح الطيبة، ويتآلف أهل الشرف، ولا ينكر
اللعب المباح، ويمزح قليلا ولا يقول إلا حقًّا، وقد رعى الغنم، وقال:
ما من نبي إلا وقد رعاها ... إلى أن قال: قد جمع الله له كمال
الأخلاق ومحاسن الأفعال، وآتاه علم الأولين والآخوين، وهو أمي لا
يقرأ ولا معلم له من البشر، وأعظم معجزاته: القرآن، الذي أعجز
الفصحاء، وحير البلغاء، وأعياهم أن يأتوا بسورة من مثله، وشهد
بإعجازه المشركون، وانشق له القمر حتى صار فرقتين.
وقال عليه السلام: " زُويت [لي] (?) مشارق الأرض ومغاربها،
وسيبلغ ملك أمتي ما زُوي لي منها (?) ". فصدق الله قوله بأن مُلك أمته
بلغ أقصى المشرق والمغرب، ولم يتشر في الجنوب ولا في الشمال.
وحنَّ إليه الجذع، ونبع الماء من بين أصابعه، وسبح الحصى في
كفه، وسمعوا تسبيح الطعام وهو يؤكل عنده، وسلم عليه الحجر
والشجر، وكلمته الذراع المسمومة، وشهد الذئب بنبوته.
ومرَّ ببعير يسقى. عليه، فلما رآه جرجر ووضع جرانه بالأرض، فقال
عليه السلام: "إنه شكا إليَّ كثرة العمل وقلة. العلف" وجرى ببعير آخر
نحو ذلك.
وكان نائمًا في سفر فجاءت شجرة تثق الأرض حتى قامت عليه،
فلما اسيقظ ذُكرت له، فقال: "استأذنت ربها في السلام