وقد أخبرني عامل المحطة بأن المشايخ الصغار كانوا يترددون عليه من وقت لأخر لسؤاله عن موعد زيارة الشياطين، وهل الشيطان الكبير في مكة أو الرياض؟ وكم عدد أولاد الذين يساعدونه في مهمة نقل الأخبار؟ فكان يجيبهم بأن ليس للشيطان دخل في علمه، وكان بعضهم يغريه بالنقود وانهم سيكتمون هذا السر، ولكن العالم يأخذ الأخبار ويرسلها إلى إمامهم ويخبرهم أن الموضوع صناعي محض، هذا كلامه بحروفه إلى أن قال في ذكر المستخدمات: تذكرنا هذه القصة ما حدث في نجد قبل ستين سنة، فإن أول ساعة دقاقة كسرت وعدت من عمل الشيطان.
ففيها توفى الأمير مشاري بن جلوي آل سعود رحمه الله وعفا عنه، وهو الأمير الشهير الحازم الفاتك، وهذه ترجمته:
هو مشاري بن سعود بن جلوي بن تركي بن عبد الله بن محمد بن سعود آل مقرن، وكان شجاعًا مهابًا له إقدام وجراءة، قدم إلى مدينة بريدة لما كان البغاة قريبًا منها، واختاره ابن سعود لإمارة القصيم ليقوي الحامية هناك، فقام بالأمر قيامًا شديدًا حتى هابه أهل القصيم وما يليه، وأرعد من هيبته الأشقياء، وكان فظًا غليظًا جبارًا عنيدًا فانتدبه الملك عبد العزيز للإمارة، وقد باشر قبل ذلك الأعمال ومارسها، وكان عمره حين وفاته يبلغ الخمسين، ولما قدم بريدة وتولى إمارة القصيم أزعج بسطوته من كان في تلك المقاطعة، وذلك خشيةً من الطوارئ، كيف لا وقد اجتمع البغاة حوالي القصيم وهموا بالهجوم على مدنه، فانتدب صاحب الجلالة ذلك الليث في براثنه، ولما أن قيل أن الدويش في "القاعية" وذلك قبيل الواقعة قام وبث رجاله ليأتوا بجميع سروح الأبل من كل جهة وصاح بالنفير العام، فما كان إلا قليل حتى حشرت الأبل والركاب إلى العاصمة كأنها السيل المنهمر، ولما أراد بعث الأمة جاء الخبر الأخير بأن الدويش رحل عنها.