كبيرة لا يستهان بها، فأخذ يبحث فيما يؤمنه من شرها ويتقي به إذائها فإن الدولة العثمانية إذا انتصرت على أعدائها الذين لا تزال رحى الحرب طاحنة بينهم وبينها، فلا بد أن تحمل عليه حملة قوية للتنكيل به واسترجاع البلاد من يديه، فهذا الذي جعله يطيل النظر وبدعه دائم الحذر.
وبينما هو على هذه الصفة إذا المدد من قبل الله تعالى يأتيه على أشدّ فاقة إليه، وهو أن بريطانيا العظمى لما رأت توالي فتوحاته وتقدم خطواته بعثت وهي في أوج عزها تخطب وده وتطلب منه أن يأذن بالاجتماع، فرجع في ذي الحجة إلى الإحساء وهو يفكر هل كان ذلك يقظةً أم منامًا، فاجتمع في العقير بالوكيل السياسي للبحرين ومعه رجل آخر اسمه شكسبير، ولكن هذا الاجتماع لم يسفر عن شيء إلا أنه مهد السبيل إلى مقاومة النفوذ الألماني في تركيا بعد أن تلاشى فيها النفوذ الإنكليزي، ذلك النفوذ الذي كان في المقام الأول منذ حرب القرم خشيت إنكلترا على طريق الهند، فعندما على نجم ابن سعود وظهرت شوكته طفقت تخطب وده لأنها لا تزال في التأثير على الأتراك وتسعى في عقد اتفاق معه ليكون عضدًا على الخليج فيقف سدًا منيعًا دون ذلك النفوذ الألماني الذي كان قد خيم على العراق.
ففيها عاد ابن سعود إلى الرياض ولما أن قدمها ما كان ليستريح حتى بلغه خبر دسيسة في القطيف، فأرسل سريةً إليها ثم سار بنفسه إلى تلك الناحية فنزل في الجبيل وقد جاءه كتاب من والده مبارك بن صباح يخبره أن أحد كبار الترك قدم الكويت ومع هدية من أنور باشا لابن سعود وإجازة للتوسط في الصلح، ثم جاء عبد اللطيف المنديل ليخبر ابن سعود أن قد تألف للمفاوضات وقد يرأسه السيد طالب النقيب وفيه ياور من ياورية السطان.
فلما تعدد الخاطبون اضطرب مبارك بن صباح فكتب إلى ولده عبد العزيز يطلب منه أن يكون الاجتماع في ظله بالكويت ليكلأ بنظره ويمده بإرشاده، وقال في الكتاب من حقي عليك يا ولدي ألا تقبل وساطة هؤلاء إلا في بلدك الكويت،