من الأهوال الصعبة فيدافع الله عنه، وقديمًا ما جرى من ألطاف بأهل الدين يريدون وجهه، كما قال تعالى في محكم كلامه البليغ الوجيز: {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} [الحج: 40].
من ذلك أنه أهدى إليه مرةً صاعًا برطب فأمر أهله أن يصنعوا من ذلك عشاء ويتصدقوا بالبقية، فشح أهله وادخروها لغد، فلما كان من المساء فتش في البيت فأخرج ما بقي وألقاه في الشارع بكيسه لمن وجده قائلًا لم تدخرون لغد ورزق غد على الله، وكان قد أخذ على أهله أن لا يدخروا لغد.
ومرَّ به إنسان يركض ويقول: من حفظ المطية، فاستوقفه الدرويش وقال له: أنا، ففرح بذلك صاحبها وجعل يدعو له، فأوقفه على نعش في المسجد وقال: هذا المطية، إشارةً أنه يحمل عليه الموتى، وهو مطية من مشي على الأرض إلى القبور.
ومرَّ رحمه الله على شيخ يسني ويغني فوقف عليه وقال: عياذًا بالله شيخٌ كبير وتغني، وقام عليه بالعصى فطفق يضربه ضربًا عنيفًا، ثم ذهب بعد ذلك ومعه رفيق له إلى المسجد ليصليا، فجاء ابن المعزَّر إلى أبيه بعدما وقفت السانية وأبوه قد أعظم الأمر وجعل يخبط كأنه مجنون يريد تشجيع ابنه على الانتقام من الدرويش، وبدر ابنه بقوله: أمك طالق يا ابن المرأة إن لم تقتله، فقام الشقي من فوره وأعمل البندقية وكان شابًا قويًا، فأنذر الدرويش وهو يصلي، فلم يتأثر وأتم صلاته ثم التفت قائلًا لصاحبه إلى جنبه: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا} [الطلاق: 2]، الله أكبر وصف الصلاة هذا والابن كالأسد يحاور أباه في قتله، فلما سلم الدرويش إذا به قد أعمل الفتيلة وأقبل نحوهما، فقال له صاحبه: يا عبد الكريم أطلق رجليك فإن الرجل أقبل مسرعًا يريد قتلك، فالتفت إليه وهو يقول: {فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [البقرة: 137]، الله أكبر وصف للصلاة فإذا بالأب يدعو ابنه قائلًا: يا محمد زال الرشا عن البكرة عدله يا محمد وامض لشغلك، فرجع الابن لهذه المهمة لأن لا ينقطع ظهر البعير، ولما أن رقى يريد تركيب الرشا وصعد فوق قرون البئر وأبوه ينتظره انطبقت البئر عليه من أقصى جهاتها فكانت قبرًا لهما وللإبل، فما وقف لهما على خبر.