وكان مبارك من كمال سياسته إنما توسط بالصلح بين العرائف وبين ابن سعود يريد بذلك جزاء كبيرًا عند ابن سعود وهو قتاله معه في الغزوة السابقة لسعدون لما جهز عليه سعدون تلك الحملة العظمى التي ما استطاع مبارك مقاومتها وما أحسن ما قيل:

المستجير بعمرو عند كربته ... كالمستجير من الرمضاء بالنار

ولما أن انكسر جيش الأمير مبارك ذلك الانكسار وعزم على أن يعيد الكرة على سعدون، وأبدى له ابن سعود رأيه في قتاله فرفض رأيه، وافق أن ابن رشيد قد هجم يومئذ على ابن هذال وابن شعلان وهما حليفان لابن سعود فأخذهما في "بصية" على حدود العراق ونجد، فعند ذلك قال عبد العزيز مخاطبًا لمبارك إذا كنت تصر على تجنيد جيش كبير فأنا أترك عندي رعاياي من عرب مطير وأعود إلى بلادي لأن ابن رشيد بعد انتصاره على ابن هذال وابن شعلان لا بد أن يزحف إلى القصيم، وأخشى أيضًا أن يقوم العرائف بحركة في الرياض فيتفاقم الأمر علي ولا أظنك تريد لي ذلك.

فلما قال عبد العزيز هذه المقالة وكان ابن صباح قد أمل أن يغلب السعدون ولو بعون ابن سعود المعنوي ندم لما لم يقبل نصيحته وقال إذا رميتني اليوم يا ولدي فليس لدي أحد ينهض بي فيتمكن مني العدو أنا والدك يا عبد العزيز ولي عليك حق المساعدة والبلد بلدك وله عليك حق الدفاع ابق عندي ولا تخرج مع الجيش ابق عندي فأتسلى بوجودك لدي فكان في كلامه هذا صريحًا.

والحقيقة أن مجرد وجود ابن سعود عنده مفيد فإنه يستأنس بآراءه وتهرب أعداؤه عنه مادام في حماه.

يريد احتفاظ في وجود بقاءه ... ويأنس في لقياه من كل عابث

فتقنع منه النفس إن كان خائفًا ... فتى هابه أهل اللقا في الحوادث

أمان لأهل الحي مادام قاطنا ... به الله يحمي من خطوب الكوارث

ألا إنه حصن منيع عن العدى ... حنانيك لا تعجل وأنعم بلا بث

طور بواسطة نورين ميديا © 2015