جلس على عرش السلطنة والخلافة السلطان منهم فإنه يأخذ ولي العهد بعده ويزجه في قصر بعيد عن العالم لا يجاوزه إلى غيره، ويضيق عليه حتى يتصلب بزعمهم، فأثمر ذلك أن هذا إذا تولى يكون همه نفسه في اللذات والشهوات تعويضًا لها عما نالت في السجن من البؤس إلى غير ذلك من السياسات العاطلة، فيكون قصد السلطان مسرحًا تمثل عليه أغرب روايات النسائية وملعبًا للوشايات والأغراض الشخصية.
أما تلك المملكة الواسعة الأرجاء البعيدة الأطراف، فلا شأن لها من نفسه، فأصبحت يديرها شرذمة الأتحاديين، وصارت الدولة العظيمة الشأن إلى التدهور والانحلال، وتجرأت عليها الدول الصغيرة التي كانت بالأمس ولايات تابعة له وأخر بلية تقرر الدستور في الدولة العثمانية في هذه السنة، ففي هذه السنة تقرر دستور الدولة العثمانية الذي عاد عليها بالتباب والوبال.
وفيها في آخرها خلع السلطان عبد الحميد بن عبد المجيد وبدأ الفشل في الدولة العثمانية.
كان في حالة إقامته بالأستانة يعمل ليومه الذي يرجوه ويسعى لتحقيق فكرته التي ملأت رأسه والتي كان يعتقد أن تحقيقها لا يتم إلا على أيدي أوربية، فمن ثم أخذ يتصل بالأوربيين السياسيين في الأستانة ويستعين بهم على مآربه، وقد تبين واضحًا ما كان يحمله الحسين في نفسه من الثقة بالأوربيين في الحرب العالمية حين استعان بالحلفاء استعانة كان خيرها لهم وشرها له وللعرب والمسلمين، لم يخف على الباب العالي صلة الحسين بالأوربيين وسعيهم معه خصوصًا وقد كان أغلب من يحيط به من جواسيس عبد الحميد الذي كان يعتني بفن الجاسوسية كل العناية، ولكن السلطان عبد الحميد لم يعبأ كثيرًا بسعي الحسين لما كان مرتكزًا في نفسه من قوة الباب العالي ما يتلاشى معه كل هذه الصغائر التي جاء يوم كانت فيه جبالًا من الفتنة طحنت عبد الحميد وعرشه طحنًا في ثورة حزب الأتحاد والترقي.