والعجوز يقلق أنينها والشائب المجنون يؤذي بهذيانه وصياحه والفضا متعكر الجو من مخالب الريح العاصفة والأرض تجري بالسيول، وما تمت الليلة المشؤومة وأسفر الفجر إلا به ركب فرسه وعاد إلى الشقة لييبس ثيابه وينظفها لأنها مثقلة بالماء والوحل والأقذار ولما أن وصل إلى تلك القرية رأى أن يذهب إلى بيت الأمير فيها سند الحصيني ولما قصده ونزل عليه خلع ثيابه وناولها الأمير سندًا لينشفها فقام الأمير بالخدمة وأكرم الخيل بالشعير والبرسيم وكانت أراضي الشقة كلجة البحر.
ورأى جدران بيوتها تنهار من شدة السيل والأمطار، فأم بيت الأمير وكان لا يزال يملك بيتًا فيه غرفة ذات سقف وفيها نار موقده تتأجج فشكر الله على ذلك، ثم تصلى ويبس ثيابه وأزال منها الأوحال ثم ركب يقصد بريدة.
وجرى عليه في هذه المخاطرة وهي دخوله بريدة وإتيانه قصر الحكم فيها وأبو الخيل محارب داخله أعظم مخاطرة وقد انتقد هو جراءته تلك، غير أن الله تعالى دافع عنه، ذلك بأنه لما دخل بريدة ذهب إلى القصر فوجده مغلقًا ومقفلًا فقرع الباب فسئل من أنت فأجاب أنا عبد العزيز بن سعود فلم يسع من حوله من داخل القصر إلا أن يفتحوا.
وعندما واجه أبا الخيل رآه يرتعد خوفًا ووجلًا فسأله قائلًا ما بالك قبح الله وجهك فأجابه يقول افترى الناس علي هم يكذبون والله فيما يقولون فقال له صاحب الجلالة عبد العزيز وقد عنف في الكلام اسكت فما بين أمرك إلا أنت وما زاد على ذلك شيئا، وركوب بحر هذه الخطة صعب جدًا.
ولما أقام ابن سعود في بريدة مستطلعًا الأخبار بعد هذه المخاطرة تحقق خيانة رؤساء مطير فسارع إلى محاربتهم واضطر في أثناء هذه التحركات أن يصالح أعداءه في بريدة فعفا عن زعيم الأعداء الأمير محمد بن عبد الله أبا الخيل على مضض حين تحين الفرصة للقضاء عليه، ولما سئل كيف تعفو عنه وقد جرى عليك بسببه تلك الليلة المشئومة أجاب سائله بقوله: "مكره أخوك، لا جرم" يعني أني مضطر عندما رأيت الحالة حرجة أن أعفو عنه.
فهذا ما جرى من أبي الخيل نسأل الله العافية، وإذا نزع الحياء من العبد فليفعل ما شاء نعوذ بالله من الخذلان، وإذا كان بهذه المثابة فلا يبعد وقوع العذاب عليه.