فلما عاد الإمام عبد الرحمن، خرج ابنه الملك عبد العزيز لاستقباله إلى الحسي، فاجتمع به هناك وسارا إلى شقراء، فأقام والده فيها، واستمر عبد العزيز سائرًا برجاله إلى القصيم، فنزل موضعًا يسمى العمار يبعد عن بريدة جنوبًا بخمسة وعشرين ميلًا، وكان فيضي باشا وصدقي قد اجتمعا بابن رشيد فتفاوضوا واختلفوا، وكان ابن رشيد قد أراد من الباشا أن يضغط أهل القصيم ويأخذهم بالسيف، فخالفه المشير ولسان حاله يقول:
الرأي قبل شجاعة الشجعان ... هو أول وهي المحل الثاني
فإذا هما اجتمعا لنفسٍ مرةٍ ... بلغت من العليا كل مكان
ولربما طعن الفتى أقرانه ... بالرأي قبل تطاعن الفرسان
وكان صدقي باشا يتعجب من شجاعة عبد العزيز بن رشيد، حتى قال هذا فارس كعلي بن أبي طالب في الشجاعة، لكنه أعطى حظًا من السياسة، فعاد ابن رشيد بعسكره حانقًا إلى الكهفة وركب المشير على رأس جنوده قاصدًا القصيم، ولما وصل إلى بريدة منعه أهلها من الدخول، ولكن الأمير صالح الحسن أرسل إليه رسولين هما عبد الله بن عمرو، ومحمد بن علي أبا الخيل يقول إنه وأتباعه يطلبون حماية الدولة والاستقلال، أما بريدة وعنيزة وتوابعهما من القرى فلم يقبلوا سادة الأتراك بل أرسلوا إلى عبد العزيز بن عبد الرحمن ليأخذون راية في المقاومة، وكان فيضي باشا قد أرسل رسولًا إلى الرياض يقول أن الدولة لا تبغي محاربة أهل نجد، وأنه جاء مسالمًا، ثم أرسل إلى ابن سعود في العمار يؤمنه قائلًا: إنني لا أريد إلا السلم، ولست محققًا مقاصد ابن رشيد، وقد سأله أن يلزم مكانه ويرسل أباه عبد الرحمن ليوافيه إلى عنيزة للمفاوضة، فقبل عبد العزيز ذلك وأمر الناس أن يخلدوا إلى السكينة فلا يأتون عملًا عدائيًا أثناء المفاوضة، فركب الإمام عبد الرحمن بن فيصل من شقراء إلى عنيزة، وسار فيضي باشا جنوبًا فنزل على مقربة منها، فتواجه الأثنان في عنيزة وأسفرت المفاوضة على أن يكون للدولة مركزان في القصيم، أحدهما في بريدة والثاني في عنيزة، ويكون هذا مؤقتًا إلما أن يتم الصلح بين ابن